أصبح برنامج «الثامنة»، الذي يقدمه الصحافي اللامع داود الشريان، وفريق العمل المميز معه في تلفزيون الشرق الأوسط «mbc»، حديث ومتنفس المجتمع المحتقن ضد كثير من سلبيات الإدارات الحكومية... برنامج يومي مباشر وصريح، يطرح أسئلة في العمق تلامس حياة وهموم ومشكلات المجتمع، ويستشهد البرنامج بالخصوم وأصحاب المظالم بحضور المسؤول، صوتاً أو صورة أو الاثنين معاً، يضاف إلى ذلك شخصية مقدم البرنامج المتوقدة التي توحي بكثير من الوطنية والذكاء والدهاء أيضاً... جمع البرنامج تخصصات كل من مجلس الشورى، هيئة الرقابة والتحقيق، هيئة مكافحة الفساد وعشرات الإدارات الفرعية في كثير من الإدارات الحكومية المعنية بالمراقبة وتحسين الأداء وجودة الخدمات، فأصبح بذلك وزارة فاعلة وفعالة تؤدي عملاً مهماً شفافاً، وتضع تقاريرها من دون رتوش أمام الله ثم الملك والناس أجمعين. من أهم القضايا وأخطرها، بل «قضية القضايا» - على حد تعبير الدكتور غازي القصيبي، رحمه الله - التي تناولها البرنامج هي «البطالة» التي تتعقد يوماً بعد يوم، ولا نبالغ إذا قلنا ساعة بعد ساعة، وللأمانة، فلم يتبقَ وسيلة إعلامية إلا وتناولت موضوع البطالة، وكما يقول الشاعر: «لقد أسمعت لو ناديت حياً/ ولكن لا حياة لمن تنادي». أوكلت مهمة حل مشكلة البطالة إلى وزارة العمل، بعد إجراء عملية فصل سيامية مع شقيقتها وزارة الشؤون الاجتماعية في العام 2004، لثلاثة أهداف رئيسة: توظيف المواطنين «السعودة»، تنظيم العمالة الوافدة، وتطوير بيئة العمل، مضت ثمانية أعوام حتى يومنا هذا ولم يحصل تقدم يذكر في أي من الأهداف الثلاثة. البطالة في ازدياد، ومعها الأعذار والمبررات من القائمين على أمرها. اتجه وزير العمل السابق وفريق العمل معه إلى الأمور البنيوية مثل: إعادة هيكلة الوزارة؛ وتحديث نظام العمل؛ ووضع استراتيجية وطنية للتوظيف. ثم ماذا؟ انتهت ستة أعوام من الجهد والعمل، ولا تزال البطالة قائمة مع كل أسبابها ودوافعها وإشكالياتها... تم تعيين وزير جديد، بعد وفاة القصيبي، رحمه الله، فجاء الوزير الجديد بمستشارين وفريق عمل جديد وفكر جديد، وانصرف العمل إلى الأمور التنظيمية والتقنية، وتم التخلص من مهمة التوظيف وحذفها إلى صندوق تنمية الموارد البشرية، الذراع الثرية لوزارة العمل. توالت المبادرات في نطاقات وطاقات ولقاءات من دون خطة عمل، أو استراتيجية واضحة المعالم، وعلى رغم قيام الوزارة بجمع أكبر كم من البيانات والمعلومات، إلا أن تلك البيانات والمعلومات لم تولد معرفة على الإطلاق، بل على العكس زادت من التخبط والارتباك والتشويش. النتيجة؟ لم ينجح أحد... ذهبت الساعات والأيام والأعوام، وذهب معها الجهد والمال، ولا تزال البطالة في تزايد، والمجتمع بكل فئاته محبط وغير راضٍ... استراتيجية التوظيف التي أقرها مجلس الوزراء قبل ثلاثة أعوام تم السكوت عنها ولا أحد يعرف مصيرها، ومبادرات وزارة العمل عبر صندوق تنمية الموارد البشرية فشلت فشلاً ذريعاً، وأخرجت الصندوق من جوهر مهمته، أما «نطاقات» فما برحت تعاني من مخاض مؤلم ومتواصل، يلد كل فترة برنامجاً مطوراً وتعديلاً أساسياً لمواجهة مجموعة حيل وخدع يقوم بها أدعياء التجارة، أو من نطلق عليهم «الدكاكنجية»، الغريب والعجيب، والمثير أيضاً، أن وزير العمل يدافع دفاع المستميت عن برنامج «نطاقات»، ويضطر إلى إعلان أرقام توظيف مضللة وغير صحيحة. الخلاصة، أن ما بين الأمور البنيوية والتنظيمية، وبرامج نطاقات، وطاقات، ولقاءات، وكل ما هو آتٍ آت، ضاعت النواحي التوظيفية، وأمست البطالة من أسوأ التشوهات في الوجه السعودي. نعود إلى موضوع البطالة لنقول للصحافي داود الشريان إنك أحسنت في تناول هذا الموضوع الحساس، ولن يمل المجتمع «الجمهور» تكراره، لكن يستحسن منك وفريق العمل لديك أن تبحثوا الأسئلة الكبرى، هل لدى وزارة العمل رؤية أو استراتيجية أو خطة عمل توضح لنا بالأرقام كيف سيتم القضاء على البطالة وفي أي مدى زمني؟ هل لدى صندوق تنمية الموارد البشرية رقم مباشر عن عدد من قام بتوظيفهم من «حافز» منذ بدء البرنامج قبل 11 شهراً وحتى الآن؟ هل تستطيع وزارة العمل أن تعرفنا على خطتها بالنسبة لأكثر من نصف مليون باحث وباحثة عن عمل سيغادرون برنامج حافز بعد قرابة شهر، ومئات الآلاف تباعاً كل شهر؟ وأسئلة عميقة أخرى لا يتسع المجال لذكرها. وزارة العمل ومعها الصندوق وقعا في ثلاثة أخطاء كبرى: الأول: سوء المعرفة في التشخيص والحلول؛ الثاني: سوء الإدارة في خمسة أمور: إدارة الأزمة، إدارة التوقعات، إدارة الوقت، إدارة الموارد البشرية، وإدارة الموارد المالية؛ الثالث: سوء التقدير، ويتمثل في سوء تقدير العواقب وحجم الضرر. أخيراً، ما رأي برنامج «الثامنة» لو وضعنا على طاولته حلاً لإصلاح جذري لسوق العمل السعودي سيحقق النتائج المباشرة الآتية: أولاً: توظيف كامل للقوى الوطنية العاملة في مرحلة زمنية من 3 - 5 أعوام، بمعنى آخر خروج مصطلح «بطالة» من القاموس السعودي، ثانياً: انخفاض عدد العمالة الوافدة في المملكة بنسبة تتراوح بين 50 و65 في المئة، مع فتح باب الاستقدام على مصراعيه والموافقة على الطلب في مدة تتراوح بين 24 ساعة و7 أيام من تاريخ التقديم، ثالثاً: رفع مستوى إنتاجية العامل إلى ثلاثة أضعاف بنهاية الأعوام الخمسة، رابعاً: تحسين وارتفاع سمعة المملكة لكي تصبح من الدول الخمس الأولى في حسن رعاية العمالة الوافدة، خامساً: انخفاض العمالة السائبة بنسبة 80 في المئة، سادساً: خفض حجم التحويلات إلى الخارج بنسبة 75 في المئة، سابعاً: عدم تكليف خزينة الدولة ريالاً واحداً. أخيراً، لا يمكن لأحد أن يُنكر الجهد المبذول من وزارة العمل أو الصندوق في السنتين الماضيتين، ومن يُنكر ذلك فهو إما جاحد أو ظالم، ونعوذ بالله أن نكون من الجاحدين أو الظالمين، لكن، هل سيؤدي ذلك الجهد وما يتطلبه من وقت ومال إلى الغاية والأهداف المنشودة؟ أما السؤال الثاني: هل لدينا الوقت الكافي، أو رفاهية الوقت، لكي نستمر في التجارب، والقرارات والقرارات المضادة؟ أما الأسئلة الصعبة فهي: مَنْ سنحاسب في حال اتضح أن الوزارة والوزير والصندوق والمدير على خطأ؟ مَنْ المسؤول، أو هل تسجل القضية ضد مجهول؟ هل نصفر العداد ونبدأ من جديد «وكل واحد يصلح سيارته» مثلاً؟ يقول المثل الغربي: «إذا كنت لا تعرف إلى أين أنت ذاهب، فأي طريق سيؤدي بك إلى هناك»If you» don't know where are you going, any where will take you there». كتب خلف الحربي في مقالة بعنوان «آثار نقص الدجاج» مخاطباً وزير العمل: «بعد إذن معاليكم فيه واحد جلس سنة كاملة يشرح لنا برنامج نطاقات عبر سبعة آلاف ملتقى ومؤتمر صحافي، وآخرتها اكتشف أنه غير واضح ومعقد!»، ويسهب الكاتب فيقول عن مشروع الشراكات الاستراتيجية التي كلفت المؤسسة بليون ريال، وأعلن قيادي في المؤسسة عن فشلها ... «بليون ريال كان يمكن أن تشتري بها المؤسسة أكثر من 50 مليون دجاجة، وتكبسها من هنا حتى عام 2030 هجرية»!... آه، ثم آه يا خلف يا خوي، لو تدري كم بيضة ودجاجة وهرفي وحاشي وهامور وطيور، يمكن للصندوق أن يشتريها بقيمة البرامج التي فشلت؟ ختاماً، للأمانة والذكرى والتاريخ فإن الطريق الذي تنتهجه وزارة العمل أو الصندوق لن، ونكرر لن، يؤدي إلى إصلاح سوق العمل، بل إلى تفاقم المشكل... اللهم بلغت، اللهم فاشهد... حفظ الله الوطن. * باحث سعودي. [email protected]