كلية الملك فهد الأمنية الشرف والعطاء    الشرقية: عروض عسكرية للقوات البحرية احتفاءً بيوم الوطن    منظمة الأمم المتحدة للسياحة تعلن تصدر المملكة لدول مجموعة العشرين في نسبة نمو عدد السياح الدوليين خلال أول 7 أشهر من العام الحالي 2024    بلدية الخبر تحتفل باليوم الوطني ب 16 فعالية تعزز السياحة الداخلية    البكيرية تستعد للاحتفاء باليوم الوطني 94 بحزمة من الفعاليات    الصين لا تزال المصدر الرئيس للاوراق العلمية الساخنة    القيادة تهنئ الحاكم العام لبيليز بذكرى استقلال بلادها    الفلاسفة الجدد    حصن العربية ودرعها    أبناؤنا يربونا    تشكيل الإتحاد المتوقع أمام الهلال    مآقي الذاكرة    "البريك": ذكرى اليوم الوطني ال94 ترسخ الإنتماء وتجدد الولاء    شكر وتقدير لإذاعتي جدة والرياض    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز على ضمك    إسرائيل - حزب الله .. لا تهدئة والقادم أسوأ    مصر: تحقيق عاجل بعد فيديو اختناق ركاب «الطائرة»    اختفاء «مورد» أجهزة ال«بيجر»!    فلكية جدة: اليوم آخر أيام فصل الصيف.. فلكياً    الشورى: مضامين الخطاب الملكي خطة عمل لمواصلة الدور الرقابي والتشريعي للمجلس    انخفاض سعر الدولار وارتفاع اليورو واليوان مقابل الروبل    "الأوتشا" : نقص 70% في المواد الطبية و65% من الحالات الطارئة تنتظر الإجلاء في غزة    رياح سطحية مثيرة للأتربة والغبار على القصيم والرياض    2.5 % مساهمة صناعة الأزياء في الناتج المحلي الإجمالي    «النيابة» تحذر: 5 آلاف غرامة إيذاء مرتادي الأماكن العامة    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    "مدل بيست" تكشف مهرجان "ساوندستورم 2024" وحفل موسيقي لليوم الوطني ال 94    "أكاديمية MBC" تحتفل بالمواهب السعودية بأغنية "اليوم الوطني"    الأخضر تحت 20 عاماً يفتتح تصفيات كأس آسيا بمواجهة فلسطين    "تعليم جازان" ينهي استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني ال94    بيع جميع تذاكر نزال Riyadh Season Card Wembley Edition الاستثنائي في عالم الملاكمة    رياض محرز: أنا مريض بالتهاب في الشعب الهوائية وأحتاج إلى الراحة قليلاً    شرطة نجران تقبض على شخص لحمله سلاحًا ناريًا في مكان عام    الدرعية تحتفل بذكرى اليوم الوطني السعودي 94    حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس ترومان» تبحر إلى شرق البحر المتوسط    مجلس الأمن يعقد اجتماعا طارئا لبحث التطورات في لبنان    «لاسي ديس فاليتيز».. تُتوَّج بكأس الملك فيصل    الناشري ل«عكاظ»: الصدارة أشعلت «الكلاسيكو»    «مكافحة المخدرات» بجازان تقبض على شخص لترويجه 13,981 قرصاً من الإمفيتامين    رئيس جمهورية غامبيا يزور المسجد النبوي    أمانة القصيم توقع عقداً لمشروع نظافة مدينة بريدة    وزارة الداخلية تُحدد «محظورات استخدام العلم».. تعرف عليها    ب 2378 علمًا بلدية محافظة الأسياح تحتفي باليوم الوطني ال94    المراكز الصحية بالقطيف تدعو لتحسين التشخيص لضمان سلامه المرضى    زعلة: ذكرى اليوم الوطني ال94 ترسخ الانتماء وتجدد الولاء    "الصندوق العالمي": انخفاض معدلات الوفيات الناجمة عن مرض الإيدز والسل والملاريا    حركة الشباب تستغل النزاعات المحلية الصومالية    «الأرصاد»: ربط شتاء قارس بظاهرة «اللانينا» غير دقيق    خطيب المسجد النبوي: يفرض على المسلم التزام قيم الصدق والحق والعدل في شؤونه كلها    خطيب المسجد الحرام: أعظم مأمور هو توحيد الله تعالى وأعظم منهي هو الشرك بالله    محافظ حفرالباطن يرأس المجلس المحلي    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    وظيفةُ النَّقد السُّعودي    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    قراءة في الخطاب الملكي    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة - ناعسة
نشر في الحياة يوم 09 - 10 - 2012

لتعلم في البداية يا سيدي أن روح الأنثى تمتلك ثقة وإعزازاً لجسدها بغض النظر عن جمال ذلك الجسد أو حتى قبحه. وحدها الروح الآمنة وسط الأعاصير تفعل الأفاعيل. الفتاة الصغيرة ناعسة هي مثال حي على تلك القوة الروحية التي تمتد في الشفرة النفسية للنساء منذ جدتهن حواء... ناعسة كانت تمتلك روحاً طيبة تشبه إلى حد بعيد روح فراشة الربيع، لكنها أبداً لم تمتلك جسداً يجعل شاباً فقيراً ينظر إليها نظرة التمني، فما بالك أن يتزوجها. حين كانت تجلس ناعسة على شاطئ الترعة ترقب غنماتها وهي تأكل الأعشاب البرية القصيرة طاف بها ملاك شارد أو طيف شكله خيالها وشكل لها صورة شاب وسيم يشبه يوسف الذي حكى عن جماله شيخ المسجد المجاور لبيتهم، وبالغ الملاك الصغير في وعوده وهمس لها: ستتزوجين شاباً جميلاً مثل هذا.
أفاقت الفتاة الصغيرة على صوت عراك الغنمات. وجدت الشمس تكاد تسقط في الأفق البعيد. هشت الغنمات متجهة للمنزل محاولة الفرار من صورة الشاب الجميل الذي تشكل أمامها ورأته رؤيا العين. في الطريق كان الشباب يقفون على أول البلدة يتحدثون في صخب ويضحكون. كان يقف بينهم شاب جميل يشبه كثيراً الشاب الذي تشكل أمامها ولا يوجد دليل على وجوده سوى غنماتها والملاك المشاغب هنا. تمنت أن تقف قرب حلقة الشباب لتسألهم عن ذلك الشاب الوسيم هناك، لكنها لم تستطع، ليس خوفاً من سخرية الشباب منها، والتسمية القاسية التي يطلقونها عليها، وتخرق روحها كلما سمعتها، بل خوفاً من أن تسقط مغشياً عليها لو أطالت النظر في فتى حلمها الوحيد.
حتما لم تخش أن تسمع اسم «ناعسة الدكر» لأنها تأقلمت مع لقبها القاسي، وعوَّدت نفسها أن تتحمله، لكنها أفرطت على روحها حين بالغت في خيالها تجاه الشاب الوسيم. أسرعت عائدة إلى البيت وسألت ابن خالتها الذي يعرف كل شباب البلدة عن ذلك الشاب، فقال لها إنه صابر ابن الغندورة، الابن الأصغر لعمدة البلدة والذي يدرس في المدينة ولا يعود الى القرية إلا قليلاً. جلست ناعسة طوال الليل على سطح بيتهم وتوجهت بكل روحها لسيد القبة الزرقاء. ناجته كثيراً متوسلة اليه أن يمنّ عليها بنعمة واحدة ووحيدة وهي أن تتزوج من ذلك الفتى الوسيم. التقط الملاك الصغير ذاته أمنيتها وطار بها... ولأن رب السماء عطوف، فقد تزوج صابر ابن الغندورة من ناعسة الدكر، ولم يتوصل أحد من أهل البلدة إلى حقيقة هذا الزواج وملابساته. لكن الكثير منهم فرح فرحاً عظيماً بهذا الزواج، ليس تعاطفاً مع ناعسة، بل شماتة في الغندور ابن الغندورة الذي كان يصرح أنه لا يوجد فتاة في البلدة تلفت نظره أو تجعله ينظر إليها كأنثى.
ولم تمر أربع سنوات إلا وكانت ناعسة قد وهبت زوجها أربعة من الذكور تحلف بجمالهم النساء، ويشهد بحسنهم الرجال. وفي بداية العام الخامس طلقها زوجها من دون سبب مثلما تزوج منها من دون سبب. ترك لها أبناءها الأربعة ورحل. كثير من أهل القرية يعرفون ما فعلته ناعسة بإبن الغندورة، وكثيراً ما كانوا يفخرون بعملتها، فبعضهم كان يرى أنه «عيّل خايب الرجا ولا يستحي من العيب».
ولهذا ما إن انتشر خبر ما فعله في ناعسة بنت بيصار درة بنات الكفر، مضحكة الباكي، ومعزية الفقيد، حتي هاجت الدماء في العروق.
بالطبع كذبوا الأقوال الباطلة عن تلك البنت التي تبتسم في وجوه الناس، فتزيل عنهم عناء ما يحملون فوق ظهورهم المنكسرة، ولا يخبرك غير خبير، فلقد خلق الإنسان في كمد دائم. لقد كانت ناعسة تشبه كثيراً أحلام الفقراء عن الملائكة التي تمشي فوق الأرض. لكن ما لم يتوقعه الجميع أن تخرج ناعسة على رؤوس الأشهاد وأمام كل أهله الذين يحتلون ثلاثة أرباع البلدة وتقول في ثقة لم يفهم أحد من أين أتت بها: وحياة مقاصيصي يا صابر هترجع لي وأنت راكب حمار أسود وهتقعد على الباب الليل بطوله لغاية ما أرضى عنك وأدخلك بس علشان عيالك. أما كيف واتتها الجرأة أن تقول تلك المقولة، وهي الفقيرة بنت الفقراء. هي ابنة وحيدة لأسرة فقيرة نزلت القرية منذ عشرين عاماً فقط. وجه الغرابة الذي ظلت الألسن تعيد وتزيد فيه كيف استطاعت أنثى ضعيفة أن تقف لرجل مثله؟ ما الذي تملكه ضده لتهدده بهذا الشكل؟
كانت تلك الأسئلة هي التي مضت بها الأفواه في ليالي الشتاء القارصة، والصيف الزمهرير. كان الكل ينتظر، وعلى رغم مرور السنوات، إلا أن قسم المرأة الذي قالته في لحظة قوة معنوية حيرت الجميع لم يتحقق. كان قد مضى على القسم ست سنوات وبالتحديد في يوم السبت الموافق 19 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1977. وقف الغندور ابن الغندورة أمام بيت ناعسة طوال الليل وحتى ظهر الأحد يرجوها أن تعفو عنه، وأن تدخله منزله الذي تزوجها فيه وتركه لها بعد طلاقها. أبرت ناعسة بقسمها، وفرح الناس بانتصار امرأة ظلت أسيرة افتقاد جسدها للجمال، على رغم فيض المحبة والطيبة التي تلف روحها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.