نائب أمير منطقة مكة يكرم المتقاعدين من منسوبي إمارة العاصمة المقدسة لعام 1446ه.    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    رحلات مباشرة من لندن غاتويك إلى مطار المدينة المنورة    المجتمعون في منتدى الرياض الإنساني يؤكدون التزامهم بالمبادئ الإنسانية وتعزيز الشراكات    البنك الدولي يقدر كلفة إعادة إعمار أوكرانيا بحوالي 524 مليار دولار    الهلال يقسو على الخلود بخماسية في دوري روشن للمحترفين    خيسوس: إصابة ميتروفيتش مقلقة لنا    جمعية المودة تطلق حملة "تبرعك رحمة" لدعم الأسر المحتاجة    جامعة الأميرة نورة تحتفي بيوم التأسيس    نائب أمير منطقة مكة يستقبل معالي مديرالأمن العام الفريق محمد البسامي    المملكة ترحب بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري    أكثر من ملياري ريال إجمالي دخل السائقين السعوديين في تطبيقات نقل الركاب بالمملكة    عون: مكافحة ثقافة الفساد ومحاربتها تستدعي مساهمة الجميع في لبنان    منتدى الأحساء للاستثمار: فكر قيادي وإبداع مُستدام لمحافظ الأحساء    العلاقات السعودية-الكويتية.. تاريخ حافل بالتعاون والمواقف الثابتة    23 دولة خليجية وعربية وأوروبية في الملتقى العربي لكرة القدم    هل تخلّت إسرائيل عن اتفاق غزة؟    والد سامي المغامسي إلى رحمة الله    سياسي فلسطيني ل«عكاظ»: التصعيد الإسرائيلي في الضفة والقدس خطير    متّع جمهورك بفنك.. «الهضبة» يدعم عمرو مصطفى إثر إصابته بالسرطان    مباحثات دفاعية سعودية أمريكية في واشنطن    مجلس الوزراء: الحوار السبيل الوحيد لحل جميع الأزمات الدولية    المنافسة في حفظ القرآن شرف ورفعة والرعاية الملكية ساهمت في تزايد المتسابقين    السهم الأسود يشعل تنافس الرياضيين بجازان    أمير منطقة الرياض يرعى احتفاء «تعليم الرياض» بذكرى يوم التأسيس    «الإحصاء»: 18.1% ارتفاع للصادرات غير البترولية في 30 يوماً    المملكة تستضيف ندوة إقليمية حول "خصخصة أمن المطارات ونقطة التفتيش الأمني الواحدة .. فرص وتحديات"    "سعوديبيديا" تحتفي بالإرث التاريخي للمملكة في يوم التأسيس    مستشفيات وعيادات دله تُعلن مواعيد العمل في رمضان.. والطوارئ والصيدليات على مدار الساعة    وزير «الشؤون الإسلامية» يحذر: لا تنجرفوا وراء أي إعلانات لجمع التبرعات    دراسات المدينة تستعرض الجذور التاريخية للتأسيس    بعد 21 عاماً من عرضه.. «العريان»: جزء ثانٍ من فيلم «تيتو» قريباً    انتهاء مدة تسجيل العقارات ل 158 حياً ب 3 مناطق.. الخميس    أمير المنطقة الشرقية يطلع على مبادرة "شيم"    "الشؤون الإسلامية" تستعد لاستقبال 250 معتمراً من ضيوف خادم الحرمين الشريفين    الدولار يرتفع بعد هبوطه إلى أدنى مستوياته في أكثر من شهرين    إصابة أسترالية بالشلل بسب فرشاة مكياج!    طقس شديد البرودة وصقيع متوقع في عدة مناطق بالمملكة    مستشفى الولادة والأطفال بالدمام يجسد تاريخ الوطن في ذكرى يوم التأسيس    «الصحة»: تحصّنوا ضد «الشوكية» قبل أداء العمرة    تعاون بين السعودية وهونغ كونغ لمكافحة جرائم الفساد العابرة للحدود    إستراتيجيات فعالة للتعامل مع الزوج العصبي !    جريمة تهز باريس.. أمريكية تلقي بمولودها من نافذة فندق    بغداد تستعيد 618 عراقياً من أخطر مخيم بالعالم    السودان: الجيش يسيطر على جسر سوبا    وزير الداخلية وممثل الأمين العام للأمم المتحدة يبحثان الموضوعات المشتركة    في نصف نهائي كأس ملك إسبانيا.. صراع مثير بين برشلونة وأتلتيكو مدريد    اختلاف طباع الناس    في الجولة 23 من "يلو" .. أبها يسعى لنقاط الباطن.. والعين في اختبار العربي    1373 حالة ضبط لممنوعات بالمنافذ خلال أسبوع    غزارة الدورة الشهرية (1)    الصحة: فيروس ووهان ليس جديداً ولا يشكل خطراً حالياً    الزم موقعك.. ملحمة مهمة العوجا    "الأحوال المتنقلة".. اختصار الوقت وتقليل الجهد    بلدية وادي الدواسر تحتفي ب «يوم التأسيس»    مرات تحتفل بيوم التأسيس    جامعة الملك سعود توقع مذكرة تعاون مع مركز زراعة الأعضاء    رئيس هيئة حقوق الإنسان: السعودية حريصة على نصرة القضايا العادلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ردود فعل سياسية» لكونستان: لا حرية أو دولة دون دستور وعقل
نشر في الحياة يوم 08 - 10 - 2012

في ذلك الحين كان السياسي والعسكري الفرنسي لافاييت معتقلاً من قبل حكومة «الإدارة» التي ورثت السلطة الفرنسية بعد موجة الإرهاب الثوري التي تلت اندلاع الثورة المطيحة بالملكية في فرنسا أواخر القرن الثامن عشر. وكان الإرهاب نفسه يطاول الكثير من الزعماء والمفكرين. وفي الوقت نفسه كانت قد همدت الأصوات التي كان يخيّل إليها قبل سنوات أن حكم «الشعب» هو السائد الآن. إذ بعد الحميا الثورية وشعارات الأخوة والحرية والمساواة التي طغت خلال السنوات الأولى لتلك الثورة الفرنسية التي غيرت وجه التاريخ الفرنسي والعالمي بشكل أو بآخر، أفاق الناس ولا سيما المفكرون منهم على الواقع الجديد: ها هي الثورة، كعادتها في كل زمان ومكان - وكما ستظل تفعل إلى أبد الآبدين - تأكل أبناءها قبل أن تأكل أعداءها، وها هي اتهامات الخيانة تنطلق في كل مكان. ولم يعد ثمة من منجى لأي صاحب رأي أو موقف سوى أن يخلد إلى الصمت والانتظار، أو أن ينتحر أو يسلك دروب المنافي... أن يختفي باختصار.
كثيرون صمتوا وانتظروا يومها. وطال الانتظار، حتى وجد البعض في ديكتاتورية الجنرال الكورسيكي الصغير (نابوليون بونابارت) بل حتى في مغامراته العسكرية التي لم يكن أحد في ذلك الحين يعرف أنها سوف تؤدي إلى العديد من الكوارث، خلاصاً. لكن البعض لم يصمت، بل رفع الصوت عالياً، حتى وإن كان يعرف أنه يجازف بأن يوصم بالرجعية ويدان بتهمة «الحنين إلى عصور الملكية التي انقضت إلى غير رجعة». مع أن هذا البعض كان، في الأصل، أبعد ما يكون عن تلك الوصمة. لكنه كان يجد أمامه سؤالاً واحداً: ما العمل والأمور تتدهور من أسوأ إلى أسوأ؟ ما العمل والقانون صار شريعة الغاب؟ ما العمل وكبار الرجال والمفكرين «أولئك النفر الخالد من أصحاب العقول النيّرة» مغيبون، في المنافي أو السجون أو في طي النسيان؟ فالحال إن الثورة كانت بالفعل قد بدأت تكشف عن وجه قبيح ويزداد في كلّ لحظة قبحاً!
من بين هذا البعض كان هناك المفكر الفرنسي كونستان الذي لم يتورع عن أن يصدر في العام الخامس للثورة (1796) الطبعة الأولى من كتابه الذي سيصبح كلاسيكياً منذ ذلك الحين، والذي عاد وأصدر منه طبعة معدلة - تبعاً للظروف - في عام 1819، أي بعد أن حدث ما حدث. الكتاب هو «ردود فعل سياسية» الذي بات يعتبر من أمهات كتب الفكر السياسي، بل لعله قدّم أفضل تبرير لقيام نوع من الحكم كان قد صار مرذولاً في فرنسا الثورية: الحكم الملكي الدستوري.
والحال أن قلة من الناس كانت في ذلك الحين قادرة على الدعوة إلى نظام الحكم هذا، في زمن كانت فيه الملكية الفرنسية ألغيت و «صارت السلطة للشعب كل الشعب» بحسب الشعار الرئيسي للثورة. لكن كونستان لم يأبه... بل أكثر من هذا، لم يجعل كتابه كتاب تبرير وتنظير، بل جعله برنامج عمل حقيقي ملكي دستوري، مطوراً ما كان سبق له هو نفسه أن شرحه ونظّر له، حول مسائل الحكم، في كتاب سابق له عنوانه «قوة حكومة فرنسا الراهنة». أما الآن فإنه يقول إن ثمة نوعين من ردود الفعل السياسية: ردود فعل تمارس على الناس، وأخرى على الأفكار. ويرى كونستان هنا أن مؤسسات شعب من الشعوب، لكي تضمن استقرارها، يتعيّن عليها أن تكون على مستوى المفاهيم الروحية لهذا الشعب. وعلى هذا النحو، يستطرد كونستان، فإن «التغيرات السياسية تفسح المجال عادة لمكتسبات جديدة، ولكن في المقابل يتعين على المؤسسات والقوانين أن تحترم، لكي تسمح بحدوث ضروب تطور جديدة». أما حين يخل بالتوافق، فإن الثورات تولّد شتى أنواع ردود الفعل. وذلك «لأن الأحوال الجديدة لا يمكن أن تصمد إلا بفضل تتابع ضروب العنف التي، إذا ما أوقفت أو خفّفت، ستؤدي بالتالي إلى انتهاء النظام القائم». ومن هنا قد يكون على الحكومة، حقاً، أن تكون محايدة ثابتة، لكن عليها مع ذلك أن تقف بكل قوة وصلابة في وجه أية محاولة لخرق القوانين». ولكن، في الوقت نفسه يتعيّن على الحكومة ألا تلجأ إلى أي طرف أو حزب أو فريق لكي تدافع عن نفسها. كذلك يتعيّن عليها أن تستنكف عن اللجوء إلى أي عمل تعسّفي يكون قادراً على إبقائها في السلطة. فقط يتعين هنا على الأشخاص الذين يمكن أن يكون لهم تأثير جيد على مواطنيهم، أن يوحّدوا جهودهم المخلصة لكي يناضلوا معاً من أجل الخير العام. أما الشعور بأي شك وتردد تجاه المستقبل فإنه يستتبع حتماً إضعاف الحرية وفقدانها. أما حب الحرية فيتعين عليه أن يكون هو الحافز الأساسي الذي يحرك جهود المخضرمين والشبان سواء بسواء. فإذا كان العجائز والمخضرمون يفتقرون إلى الإيمان والقدرة والحماسة فإن على الشبان، مجتمعي الصفوف، أن يسيروا قدماً وبكل حزم من أجل الدفاع عن مكاسب المجتمع. و «في وسط هذا النظام التدرجي والمنتظم، لن يكون ثمة مكان لأية غيبية دينية، ولا لأي إنكار مشبوه للمثل العليا». و «الإنسانية على أية حال، لا يمكنها أن تعثر على دروبها إلا في تناسق يقوم بين القوانين الاجتماعية والأخلاقية».
إن هذا الكلام كله، الذي قد يبدو اليوم وقد تخطّاه الزمن وصار نوعاً من الشعارات، كان - والحق يقال - كلاماً خطيراً في ذلك الحين. إذ منذا الذي كان يجرؤ على الحديث عن القوانين والأخلاق والشرائع، وحتى عن قوة الدولة والأخاء الاجتماعي - لا الطبقي - في زمن كانت فيه المقصلة منصوبة لسحق أي كافر بالثورة؟ كونستان لم يأبه لذلك كله، بل عبّر عن رأيه بوضوح... بل وصل به الأمر، وفي الكتاب نفسه، إلى الإشادة بعدد من الأشخاص الذين جعلهم «سوء طالعهم، ونقاء أفكارهم - في رأيه - من أولى ضحايا الإرهاب» بل أولى ضحايا «زملائهم من الكتّاب والمفكرين الذين عرفوا كيف يبيعون أنفسهم إلى الجلادين. لقد كان كلاماً كبيراً من النوع الذي من شأنه أن يورد قائله أو كاتبه موارد التهلكة، لكن كونستان، كمفكر حرّ لم يأبه للخطر، بل قال ما عنده غير مراهن على أية حماية. كان يراهن فقط على صواب نظرته وإيمانه بأفكاره.
مهما يكن من أمر، يمكننا أن نقول هنا، وفي اختصار كلي، إن ما كان يدعو إليه هذا الكتاب، إنما هو الحرية. كان الكتاب يمثل دفاعاً حاراً عن نظرية الحرية، لكنه في الوقت نفسه كان يشترط الحرية بوجود ضمانات دستورية، وهذا ما جعل الكتاب يعتبر وإلى حد كبير، استكمالاً لأفكار مونتسكيو، معطياً كونستان مكانة كبيرة مضيئة في تاريخ الفكر السياسي الفرنسي.
وهنري - بنجامين كونستان (دي ريبيك) هو مفكر وكاتب روائي فرنسي من أصل سويسري ولد في لوزان عام 1767 ومات في باريس عام 1830. وهو عاصر وعايش أكثر من ثورة وانقلاب، والكثير من الأحداث التي راحت تعصف بفرنسا وأوروبا في ذلك الحين. ولئن كانت كتبه السياسية اشتهرت وتنوعت، فإن أفضل وأشهر أعماله تبقى روايته «أدولف» التي تعتبر عملاً رائداً في مجال الرواية السيكولوجية ولطالما قورنت بأعمال ستندال في هذا المجال. ولقد درس كونستان في ألمانيا ثم في أكسفورد وأدنبرغ، قبل أن ينتقل إلى فرنسا حيث بدأ يلمع في الحياة الفكرية. ولكن في الحياة الاجتماعية أيضاً حيث عرف بعلاقاته الكثيرة ولا سيما مع مدام دي شاريير أولاً، ثم مع مدام دي ستاييل. وحين قامت الثورة الفرنسية، وقف كونستان، بداية، مناصراً لها منذ عام 1794 مضحياً بزوجته ووظيفته من أجل ذلك. وهو بعد انقلاب 18 برومير عين في محاكم الدولة، لكنه ما إن ظهر بونابرت حتى عارضه فكان أن نفي إلى ألمانيا حيث وضع كتابه الأشهر «عن الدين منظوراً إليه في منبعه، أشكاله وتطوراته» في خمسة أجزاء (1824- 1831)، إضافة إلى الكثير من الأعمال الأخرى بين فكرية وروائية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.