إعلاميون يطمئنون على صحة العباسي    أمير منطقة المدينة المنورة يؤكد أهمية استثمار المقومات الاقتصادية للمنطقة لتعزيز فرص العمل    "التدريب التقني" تمنح (63) رخصة تدريب لمنشآت جديدة في أكتوبر الماضي    تقليص انبعاثات غاز الميثان الناتج عن الأبقار    «واتساب» تختبر ميزة لحظر الرسائل المزعجة    التويجري: السعودية تُنفّذ إصلاحات نوعية عززت مبادئها الراسخة في إقامة العدل والمساواة    في الجولة ال 12 من دوري روشن للمحترفين.. ديربي يجمع الشباب والهلال.. والاتحاد في ضيافة الاتفاق    في الجولة الخامسة من يوروبا ليغ.. أموريم يريد كسب جماهير مان يونايتد في مواجهة نرويجية    الاتفاق يتمسك بالصدارة الخليجية    قمة آسيا للذئاب    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من أمير الكويت    الزميل رابع يحتفل بزفاف إبنه د. صالح    الزميل العويضي يحتفل بزواج إبنه مبارك    احتفال السيف والشريف بزواج «المهند»    المملكة ضيف شرف في معرض "أرتيجانو" الإيطالي    تواصل الشعوب    ورحل بهجة المجالس    اكتشاف الحمض المرتبط بأمراض الشيخوخة    اليونيفيل ترحّب بوقف إطلاق النار في لبنان وتؤكّد مواصلة أداء مهامها    أمين الرياض : تدشين قطار الرياض يعكس حجم الطموح الذي تحمله القيادة الرشيدة لمستقبل العاصمة    ترحيب دولي بوقف النار بين حزب الله وإسرائيل    وكيل إمارة جازان يفتتح برنامج المخدرات عدو التنمية    مجلس شؤون الأسرة يرعى كرياثون "الإبداع في الأسرة"    تعيين اللاعب الدولي السابق "صالح الداود" مديراً للمنتخب الأول    وزير الثقافة يوجه بتمديد معرض "بنان" حتى 30 نوفمبر الجاري    استطلاع: 60 % سيستخدمون مترو الرياض للذهاب للعمل والمدارس    طريف تسجّل أدنى درجة حرارة بالمملكة    خادم الحرمين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء في جميع أنحاء المملكة يوم غدٍ الخميس    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم بالمنطقة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    الخريف: الصندوق الصناعي اعتمد مشاريع بقيمة 12 مليار ريال في 2024    وزير الرياضة : 80 فعالية عالمية زارها أكثر من 2.5 مليون سائح    "أنا المدينة".. تجربة واقع افتراضي تنقل الزوار إلى العهد النبوي    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    وزير الطاقة يعقد اجتماعًا ثلاثيًا مع نائب رئيس الوزراء الروسي ووزير الطاقة الكازاخستاني    "سلمان للإغاثة" يوقع اتفاقية لتشغيل مركز الأطراف الصناعية في مأرب    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    شراكة تعاونية بين جمعية البر بأبها والجمعية السعودية للفصام (احتواء)    المملكة تشارك في اجتماعات الدورة ال29 لمؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    استقرار الدولار الأمريكي قبيل صدور بيانات التضخم    وصول الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    هؤلاء هم المرجفون    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    لا فاز الأهلي أنتشي..!    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«نتائج الإرهاب» لكونستان: سلاح ذو حدّين يقتل ضحاياه والجلاّدين
نشر في الحياة يوم 02 - 06 - 2012

... وفي العام الخامس للثورة الفرنسية، في وقت كان فيه إرهاب الثوريين بدأ يصل الى ذروته مهدداً بأن يذرو معه في عاصفته الهوجاء، كل مكتسبات تلك الثورة وأفكارها التحررية، تحت وطأة الصراعات التي ستكون هي لاحقاً في خلفية القول الذي ساد حول «الثورات التي تأكل ابناءها قبل ان تأكل اعداءها»، أصدر المفكر والكاتب بنجامين كونستان كتابه الذي من المؤسف انه بات منسياً الى حد ما في ايامنا هذه «آثار الإرهاب» مع ان ثمة الف دليل ودليل على اننا نحتاج قراءته اليوم اكثر مما احتجناها في اي وقت آخر - ومن هنا قد يكون من المفيد المسارعة بترجمته الى العربية وتوزيعه على اوسع نطاق ممكن ولا سيما في اوساط الثوريين قبل اية اوساط اخرى، مع ان هذه حكاية قد لا تهمّ كثيراً هنا في سياقنا التاريخي الفكريّ هذا! -... بل ان سيراً عدة تكتب لكونستان تتجاهل هذا الكتاب، مركزة على انتاجاته الأدبية والتاريخية. ومع هذا فإن قراءتنا ل «نتائج الإرهاب» ستضعنا في مواجهة كاتب جريء وحكيم أدرك منذ البداية ان الإرهاب لا يوصل الى اي مكان... بل إنه يقضي اول ما يقضي، على اصحابه.
وإذا كان هذا الكلام صادقاً من زمن كونستان، فلا شك في انه في ايامنا هذه سيبدو صادقاً ألف مرة، إذ حيثما قلبنا أنظارنا سنجد ضروب ارهاب ترتد في نهاية الأمر على الإرهابيين انفسهم مسببة لهم خسران قضاياهم ومعززة من موقع اعدائهم الذين كان يفترض بهم اصلاً ان يكونوا هم ضحايا هذا الإرهاب ودافعي ثمنه. هنا طبعاً نكتفي بهذا القدر من المقارنة بين زمنين، لنعود اكثر من مئتي عام الى الوراء، اي الى الزمن الذي كتب فيه كونستان نصّه هذا، وكان في ذلك الحين يعتبر من كبار مفكري الثورة الفرنسية. لكن الرجل، بسبب موقعه في التحرك الثوري والمناخ السياسي الذي ساد من بعده، ادرك ان ما يحدث ليس في مصلحة الثورة ولا في مصلحة الجمهورية فكتب ذلك في نصّه هذا، ولكن ايضاً في بضعة نصوص اخرى. والحال ان الذين لم يقرأوا هذه النصوص لا يمكنهم ابداً ان يفهموا ما يسمونه «تقلبات» كونستان اللاحقة. إذ انه بعدما كان مناصراً للجيرونديين - الذين كان يراهم معتدلين الى حد ما، مدافعين عن قيم الجمهورية -، وقف فترة الى جانب نابوليون، ثم عاداه تماماً، ليعود ويضع نفسه في خدمته، كاتباً وخطيباً مفوهاً، قبل ان يتركه من جديد، ليصبح لاحقاً زعيماً للحزب الليبرالي ايام عودة الملكية. لكل هذه التبدلات قد تبدو، في المطلق، نوعاً من انتهازية مثقف رغب - على شاكلة افلاطون وابن خلدون بين آخرين - في ان يلعب دوراً سياسياً فلم يوفق... لكن هذا ليس إلا في الصورة الخارجية، اما في الأعماق، فإن كونستان ومنذ « نتائج الإرهاب» اي منذ عام 1797، حدد مواقفه واستشف ما سيأتي لاحقاً منها: انه مع السياسة والتقدم، ضد الإرهاب والدماء، انطلاقاً من ان الإرهاب لا يخدم قضية ومن ان مبادئ الثورة الفرنسية الفكرية، في الأصل، تتناقض مع جوهر الإرهاب.
وهنا قد يكون مفيداً ان نشير الى ان بنجامين كونستان قد وضع كتابه هذا، بتأثير واضح من عشيقته - بين 1794 و1808 - الكاتبة مدام دي ستاييل، التي كانت ليبرالية النزعة. بل يقال ان مدام دي ستاييل تدخلت في الكثير من نصوص الكتاب، كما انها كانت لاحقاً في جذور كتابة كونستان لنص الخطاب الذي ألقاه بعد ذلك بشهور خلال زراعة شجرة الحرية، حيث اعلن في شكل لا غموض فيه وقوفه الى جانب مبادئ الثورة والجمهورية، ولكن بالترابط التام مع المبادئ الثقافية والفكرية لأنها «القوة الحقيقية التي يمكن ان تقف خلف كل تكوين سياسي حقيقي لأي بلد»
والحقيقة ان كونستان كان في هذا كله حدد بعض المواقف الواضحة التي تضعه على طرف النقيض مع زملاء له ثوريين من طينة دانتون او سان جوست او روبسبيير، من الذين في شكل او في آخر، وعلى رغم الخلافات التي اندلعت في ما بينهم آمنوا بالإرهاب - لا بالفكر او بالسياسة - طريقاً لانتصار الثورة. وهنا علينا ان نشير الى ان الفنان والأديب في داخل كونستان كان هو الذي يملي عليه مواقفه المبدئية... كما كان هو ما دفع مدام دي ستاييل ناحيته.
في ««نتائج الإرهاب» يأتي بنجامين كونستان كمفكر ثوري ليبرالي حقيقي وذي نزعة انسانية لا لبس فيها، لكي يؤكد منذ البداية ايمانه المطلق بالقيم والأفكار التي انبنت عليها الثورة الفرنسية، ثم نراه، وانطلاقاً من ايمانه ب «الميثاق التأسيسي القانوني» يؤكد ان الثورة خرجت، على رغم كل شيء، من دون كبير خسارة من عصر الرعب والإرهاب الذي سيطر على سنواتها الأولى. وهو ينتهز فرصة هذا التأكيد ليقول ان عصر الإرهاب ذاك لم يفعل إلا زرع القسوة في الأنفس، مراكماً الضحايا والأخطاء والخطايا... وإذ يتوسع كونستان في الحديث عن هذا الأمر يستدرك ليقول: «... لكن الثوريين الحقيقيين، وأعني بهم الجمهوريين الحقيقيين عرفوا كيف يحافظون على احترامهم للقوانين وكراهيتهم للعنف والإرهاب». فالإرهاب، في رأي بنجامين كونستان، لم يخدم، في نهاية الأمر، إلا اصدقاء الفوضى، اما تذكر الإرهاب بالخير اليوم، فإنه لا يقدم خدماته إلا لمناصري الطغيان والاستبداد... فكيف يمكن مواجهة هذا؟ بالنسبة الى كونستان يمكن مواجهته «بفعل سد الدروب في وجه الثورة المضادة، لكي يمكن انقاذ المبادئ الجيدة، عبر جعلها ممكنة التحقيق من الناحية التاريخية، في شكل يخدم تقدم الشعوب وكرامة المواطنين».
ان امتداح بنجامين كونستان ل«الثوريين الحقيقيين» (اي للجيرونديين المتمسكين بالمثل العليا الدستورية والجمهورية الصلبة)، وإحالة كونستان في كلامه الى «مؤلف فصيح ومشهور» (هو مدام دي ستاييل التي يعيد الى الأذهان هنا كتابها «حول تأثير الأهواء»)، وأخيراً اسلوب كاتبنا هذا، وهو ذو الأصل السويسري، في الدفاع عن نفسه ضد الذين يتهمونه بأنه اجنبي، كل هذا، يشكل جوهراً اساسياً في هذا الكتاب، كما انه يحيل بالطبع الى خطاب «شجرة الحرية» الذي ذكرناه اعلاه، والذي لا يفصله مؤرخو الفكر عن «آثار الإرهاب».
وبنجامين كونستان (1767 - 1830) المعتبر من مفكري الثورة الفرنسية وسياسييها الكبار، هو سويسري الأصل ولد في لوزان... ودرس في ألمانيا كما درس في اسكوتلندا، قبل ان يعيش حياة تجوال ونضال طويلة لم يسترح منها إلا حين احتضنته مدام دي ستاييل في باريس، خلال الفترة نفسها تقريباً التي ارتبط فيها بزيجتين فشلتا - وتحدث عن تجربته معهما في روايتيه «سيسيل» و«أدولف» -. ومنذ بداياته كان كونستان تواقاً الى لعب دور سياسي كما اسلفنا، فكتب كثيراً وخاض التجارب الحزبية، بل كانت له ايضاً مؤلفات في الدين والفلسفة (ولعل اشهر كتبه هو الذي يجمع هذين المجالين معاً «الدين منظوراً إليه في منبعه وأشكاله وتطوراته»)، وكتب يوميات غنية تؤرخ للمرحلة والتقلبات التي عاشها. ولقد اشتهر كونستان ايضاً وخصوصاً بكونه كاتباً روائياً وبمراسلاته... وكان موريس باريس يرى دائماً ان كونستان، في كل ما كتبه انما كان يعبر عن روحه «الرهيفة والبائسة التي كان ينفق وقته كله وهو يرصد تقلباتها في سخرية ما بعدها سخرية».
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.