تنظيم المقاصة النهائية للإفلاس    120% نمو الإنتاج الزراعي بالمملكة    155 أفغانيا يصلون إلى برلين ضمن إجراءات إيواء الأفغان المهددين في بلادهم    ماكرون بعد لقاء ترمب: السلام لا يعني استسلام أوكرانيا    الهلال ينفجر في شباك الخلود.. الأهلي يقسو على القادسية.. الشباب والنصر يكسبان الرائد والوحدة    الأخضر يتطلع لنهائي آسيا في مواجهة كوريا    سقوط مفاجئ يغيب بيرجوين عن الاتحاد    تقنية صامطة تحتفي بذكرى يوم التأسيس تحت شعار "يوم بدينا"    من التأسيس.. وحدة وأمن وازدهار    محافظ أبو عريش يرعى ندوة "التأسيس"    القبض على مقيم بنغلاديشي في نجران لترويجه الحشيش    منتدى الرياض الإنساني‬⁩.. حلول مستدامة وفعّالة لدعم الفئات المتضررة    الأهلي يتغلب على القادسية برباعية في دوري روشن للمحترفين    الأخضر تحت 20 عاماً يواجه كوريا الجنوبية في نصف نهائي كأس آسيا    مخاوف من استئناف القتال مع تعنت إسرائيل في تنفيذ الاتفاق    أمير تبوك يترأس اجتماع الادارات الحكومية والخدمية لاستعدادات شهر رمضان    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    زراعة عسير يحتفي بيوم التأسيس    جمعية المودة تطلق حملة "تبرعك رحمة" لدعم الأسر المحتاجة    البنك الدولي يقدر كلفة إعادة إعمار أوكرانيا بحوالي 524 مليار دولار    نائب أمير منطقة مكة يكرم المتقاعدين من منسوبي إمارة العاصمة المقدسة لعام 1446ه.    جامعة الأميرة نورة تحتفي بيوم التأسيس    نائب أمير منطقة مكة يستقبل معالي مديرالأمن العام الفريق محمد البسامي    أكثر من ملياري ريال إجمالي دخل السائقين السعوديين في تطبيقات نقل الركاب بالمملكة    سياسي فلسطيني ل«عكاظ»: التصعيد الإسرائيلي في الضفة والقدس خطير    منتدى الأحساء للاستثمار: فكر قيادي وإبداع مُستدام لمحافظ الأحساء    مباحثات دفاعية سعودية أمريكية في واشنطن    متّع جمهورك بفنك.. «الهضبة» يدعم عمرو مصطفى إثر إصابته بالسرطان    والد سامي المغامسي إلى رحمة الله    المنافسة في حفظ القرآن شرف ورفعة والرعاية الملكية ساهمت في تزايد المتسابقين    مجلس الوزراء: الحوار السبيل الوحيد لحل جميع الأزمات الدولية    «الإحصاء»: 18.1% ارتفاع للصادرات غير البترولية في 30 يوماً    أمير منطقة القصيم يطلق برنامج "الانطلاقة" لدعم وتأهيل رواد الأعمال في المرحلة الأولية    أمير منطقة الرياض يرعى احتفاء «تعليم الرياض» بذكرى يوم التأسيس    "سعوديبيديا" تحتفي بالإرث التاريخي للمملكة في يوم التأسيس    مستشفيات وعيادات دله تُعلن مواعيد العمل في رمضان.. والطوارئ والصيدليات على مدار الساعة    وزير «الشؤون الإسلامية» يحذر: لا تنجرفوا وراء أي إعلانات لجمع التبرعات    انتهاء مدة تسجيل العقارات ل 158 حياً ب 3 مناطق.. الخميس    أمير المنطقة الشرقية يطلع على مبادرة "شيم"    "الشؤون الإسلامية" تستعد لاستقبال 250 معتمراً من ضيوف خادم الحرمين الشريفين    تشكيل النصر المتوقع أمام الوحدة    الدولار يرتفع بعد هبوطه إلى أدنى مستوياته في أكثر من شهرين    القيادة تهنئ أمير دولة الكويت بذكرى اليوم الوطني لبلاده    إصابة أسترالية بالشلل بسب فرشاة مكياج!    مستشفى الولادة والأطفال بالدمام يجسد تاريخ الوطن في ذكرى يوم التأسيس    «الصحة»: تحصّنوا ضد «الشوكية» قبل أداء العمرة    الاتحاد السعودي للسهام يتوّج الفائزين في منافسات «السهم الأسود»    إستراتيجيات فعالة للتعامل مع الزوج العصبي !    الرئيس اللبناني يؤكد العزم على تنفيذ خطاب القسم    اختلاف طباع الناس    1373 حالة ضبط لممنوعات بالمنافذ خلال أسبوع    السودان: الجيش يسيطر على جسر سوبا    غزارة الدورة الشهرية (1)    الصحة: فيروس ووهان ليس جديداً ولا يشكل خطراً حالياً    "الأحوال المتنقلة".. اختصار الوقت وتقليل الجهد    بلدية وادي الدواسر تحتفي ب «يوم التأسيس»    مرات تحتفل بيوم التأسيس    جامعة الملك سعود توقع مذكرة تعاون مع مركز زراعة الأعضاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ردود فعل سياسية» من كونستان: المخاض المرعب لما بعد الثورة
نشر في الحياة يوم 12 - 03 - 2012

في ذلك الحين كان السياسي والعسكري الفرنسي لافاييت معتقلاً من قبل حكومة «الإدارة» التي ورثت السلطة الفرنسية بعد موجة الإرهاب الثوري. وكان الإرهاب نفسه يطاول الكثير من الزعماء والمفكرين. وهمدت الأصوات التي كان يخيّل إليها قبل سنوات ان حكم «الشعب» هو السائد الآن. إذ بعد الحميّا الثورية وشعارات الأخوة والحرية التي طغت خلال السنوات الأولى لتلك الثورة الفرنسية التي غيرت التاريخ، أفاق الناس خصوصاً المفكرين منهم على الواقع الجديد: ها هي الثورة، كعادتها في كل زمان ومكان - وكما ستظل تفعل الى ابد الآبدين - تأكل ابناءها قبل ان تأكل أعداءها، وها هي اتهامات الخيانة تنطلق في كل مكان. ولم يعد ثمة من منجى لأي صاحب رأي او موقف سوى ان يخلد الى الصمت والانتظار.
كثيرون صمتوا وانتظروا يومها. وطال الانتظار، حتى وجد البعض في ديكتاتورية الجنرال الكورسيكي الصغير (نابوليون) ومغامراته العسكرية التي ادت الى كوارث، خلاصاً. لكن البعض لم يصمت، بل رفع الصوت عالياً، حتى وإن كان يعرف انه يجازف بأن يوصم بالرجعية ويدان بتهمة «الحنين الى عصور الملكية التي انقضت الى غير رجعة». مع ان هذا البعض كان، في الأصل، ابعد ما يكون عن تلك «الوصمة» فإنه كان يجد امامه سؤالاً واحداً: ما العمل والأمور تتدهور من سيّء الى اسوأ؟ ما العمل والقانون صار شريعة الغاب؟ ما العمل وكبار الرجال والمفكرين «اولئك النفر الخالد من اصحاب العقول» مغيبون، في المنافي او السجون او في طي النسيان؟
من هذا البعض كان المفكر الفرنسي كونستان الذي لم يتورع عن ان يصدر في العام الخامس للثورة (1796) الطبعة الأولى من كتابه الذي سيصبح كلاسيكياً منذ ذلك الحين، والذي عاد وأصدر منه طبعة معدلة - تبعاً للظروف - في العام 1819، اي بعد ان حدث ما حدث. الكتاب هو «ردود فعل سياسية» الذي بات يعتبر من امهات كتب الفكر السياسي، بل لعله قدم افضل تبرير لقيام نوع من الحكم كان قد صار مرذولاً في فرنسا الثورية: الحكم الملكي الدستوري.
والحال ان قلة من الناس كانت في ذلك الحين قادرة على الدعوة الى نظام الحكم هذا، في زمن كانت فيه الملكية الفرنسية ألغيت و «صارت السلطة للشعب كل الشعب» وفق الشعار الرئيسي للثورة. لكن كونستان لم يأبه... بل اكثر من هذا، لم يجعل كتابه كتاب تبرير وتنظير، بل جعله برنامج عمل حقيقي ملكيّ دستوريّ، مطوّراً ما كان سبق له هو نفسه ان شرحه ونظّر له، حول مسائل الحكم، في كتاب سابق له عنوانه «قوة حكومة فرنسا الراهنة». اما الآن فإنه يقول ان ثمة نوعين من ردود الفعل السياسية: ردود فعل تمارس على الناس وأخرى على الأفكار. ويرى كونستان هنا ان مؤسسات شعب من الشعوب، لكي تضمن استقرارها، يتعين عليها ان تكون على مستوى المفاهيم الروحية لهذا الشعب. وعلى هذا النحو، يستطرد كونستان، قائلاً إن «التغيّرات السياسية تفسح المجال عادة لمكتسبات جديدة، ولكن في المقابل يتعين على المؤسسات والقوانين ان تحترم لكي تسمح بحدوث ضروب تطور جديدة» اما حين يخلّ بالتوافق، فإن الثورات تولد شتى انواع ردود الفعل. وذلك «لأن الأحوال الجديدة لا يمكن ان تصمد إلا بفضل تتابع ضروب العنف التي، إذا ما اوقفت او خففت، ستؤدي بالتالي الى انتهاء النظام القائم». ومن هنا قد يكون على الحكومة، حقاً، «ان تكون محايدة ثابتة، لكن عليها مع ذلك ان تقف بكل قوة وصلابة في وجه اية محاولة لخرق القوانين». ولكن، في الوقت نفسه يتعين على الحكومة ألا تلجأ الى اي طرف او حزب او فريق لكي تدافع عن نفسها، كذلك يتعين عليها ان تستنكف عن اللجوء الى اي عمل تعسفي يكون قادراً على إبقائها في السلطة. فقط يتعين هنا على الأشخاص الذين يمكن ان يكون لهم تأثير جيّد على مواطنيهم ان يوحّدوا جهودهم المخلصة لكي يناضلوا معاً من اجل الخير العام. اما الشعور بأي شك وتردد تجاه المستقبل فإنه يستتبع حتماً إضعاف الحرية وفقدانها. اما حب الحرية فيتعين عليه ان يكون هو الحافز الأساسي الذي يحرك جهود المخضرمين والشبان سواء بسواء. فإذا كان العجائز والمخضرمون يفتقرون الى الإيمان والقدرة والحماسة فإن على الشبان، مجتمعي الصفوف، ان يسيروا قدماً وبكل حزم من اجل الدفاع عن مكاسب المجتمع. و «في وسط هذا النظام التدرّجي والمنتظم، لن يكون ثمة مكان لأية غيبية دينية، ولا لأي إنكار مشبوه للمثل العليا». و «الإنسانية على اية حال، لا يمكنها ان تعثر على دروبها إلا في تناسق يقوم بين القوانين الاجتماعية والأخلاقية».
إن هذا الكلام كله، الذي قد يبدو اليوم وقد تخطاه الزمن وصار نوعاً من الشعارات، كان - والحق يقال - كلاماً خطيراً في ذلك الحين. إذ منذا الذي كان يجرؤ على الحديث عن القوانين والأخلاق والشرائع، وحتى عن قوة الدولة والأخاء الاجتماعي - لا الطبقي - في زمن كانت المقصلة منصوبة لسحق أي كافر بالثورة؟ كونستان لم يأبه لذلك كله، بل عبّر عن رأيه بوضوح... بل وصل به الأمر، وفي الكتاب نفسه الى الإشادة بعدد من الأشخاص الذين جعلهم «سوء طالعهم، ونقاء افكارهم - في رأيه - من اولى ضحايا الإرهاب» بل اولى ضحايا «زملائهم من الكتاب والمفكرين الذين عرفوا كيف يبيعون انفسهم الى الجلادين».
وفي اختصار كلي، كان ما يدعو إليه هذا الكتاب، هو الحرية، كان يمثل دفاعاً حاراً عن نظرية الحرية، لكنه في الوقت نفسه كان يشترط الحرية بوجود ضمانات دستورية. وهذا ما جعله يعتبر الى حد كبير، استكمالاً لأفكار مونتسكيو، معطياً كونستان مكانته في تاريخ الفكر السياسي الفرنسي.
وهنري - بنجامين كونستان (دي ريبيك) هو مفكر وكاتب روائي فرنسي من اصل سويسري ولد في لوزان العام 1767 ومات في باريس العام 1830. وهو عاصر وعايش اكثر من ثورة وانقلاب، والكثير من الأحداث التي راحت تعصف بفرنسا وأوروبا في ذلك الحين. ولئن كانت كتبه السياسية اشتهرت، فإن افضل وأشهر اعماله تبقى روايته «ادولف» التي تعتبر عملاً رائداً في مجال الرواية السيكولوجية ولطالما قورنت بأعمل ستندال في هذا المجال. ولقد درس كونستان في ألمانيا ثم في اكسفورد وأدنبرغ، قبل ان ينتقل الى فرنسا حيث بدأ يلمع في الحياة الفكرية، ولكن في الحياة الاجتماعية ايضاً حيث عرف بعلاقاته الكثيرة ولا سيما مع مدام دي شاريير اولاً، ثم مع مدام دي ستاييل. وحين قامت الثورة الفرنسية وقف كونستان مناصراً لها منذ العام 1794 مضحّياً بزوجته ووظيفته من اجل ذلك. وهو بعد انقلاب 18 «برومير» عيّن في محاكم الدولة لكنه ما إن ظهر بونابرت حتى عارضه ونفي الى ألمانيا حيث وضع كتابه الأشهر «عن الدين منظوراً إليه في منبعه، اشكاله وتطوراته» في خمسة اجزاء (1824- 1831)، اضافة الى الكثير من الأعمال الأخرى بين فكرية وروائية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.