قبل ثلاثين سنة، لم يكن يتوقع مايكل جاكسون لأغنياته التي ضمتها أسطوانة «ثريللر» وجمعته مع الملحن والمنتج الموسيقي كوينسي جونز، أن تصبح أيقونة عصر البوب، بل الأسطوانة الأشهر في التاريخ. وباعت هذه الأسطوانة نحو 120 مليون نسخة، فضلاً عن سلسلة من الأرقام القياسية الأخرى. فللمرة الأولى في تاريخ التسجيلات الموسيقية تحرز سبع أغنيات ضمن أسطوانة واحدة المرتبة الأولى في سباق الأغاني الأميركي، علماً أن المجموعة بقيت الأكثر مبيعاً نحو 40 أسبوعاً متواصلاً. ولأنها كانت حدثاً في تاريخ الموسيقى المعاصرة، فكان للأسطوانة اكثر من إصدار خاص: عام 2001، كان هناك «ثريللر سبشيل اديشين»، ثم « ثريللر 25» في العام 2005 بمناسبة مرور ربع قرن على الأسطوانة الأصلية التي استغرق تسجيلها نحو نصف عام من 14 نيسان (أبريل) إلى 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 1982. صحيح أن صاحب أسطوانة «باد» لم يكن غريباً على صناعة الموسيقى وحقق شهرة لافتة منذ أن كان صبياً دون العاشرة مع أشقائه ضمن فريق «جاكسون فايف»، ولاحقاً مهد لنجاحه عبر أسطوانة «أوف ذا وول»، إلا أن تسع أغنيات تضمنتها أسطوانة «ثريللر» حملته إلى ضفاف جديدة من عالم النغم، لم يكن قد وطئها احد قبله. الاغنية المصورة ويكفي أن صناعة الأغنية المصورة بتقنية «فيديو كليب» ترسخت فناً اتصالياً جديداً عبر تصوير الأغنية التي منحت الأسطوانة عنوانها «ثريللر» والتي أخرجها جون لانديس بالاشتراك مع جاكسون الذي كتب سيناريو قائماً على فكرة التشويق عبر استحضار الموتى التي كانت سائدة في السينما تلك الأيام مع فيلم «هالوين» بأكثر من جزء للراحل مصطفى العقاد. ومع فيديو الأغنية (نحو 14 دقيقة) أصبحت جملة «الصوت يجب أن يكون مرئياً» حقيقة واقعة، بل فرضت لوناً فنياً صار أسلوباً مرافقاً للغناء قائماً بذاته. في أغنيات الأسطوانة جال مايكل جاكسون بالصوت الغنائي، وصال بوضع الألحان وكتابة نصوص الأغنيات بالتعاون مع كوينسي جونز. وفضلاً عن أغنياته المفردة، سجل مع احد رموز «بيتلز»، المغني بول مكارتني، أغنية مشتركة «ذا غيرل از ماين» بفيديو كليب استعاد واحدة من حكايات الغرب الأميركي القديمة لكن من دون أسلحة، ولا خيول تصهل في برار موحشة، إنما عبر حكاية لطيفة عن «نصابَين» يجولان في القرى البعيدة قصد بيع «العلاج السحري» النافع لكل علة والمحقق لكل رغبة في استعادة الشباب. وقبل إصدار الأسطوانة، كانت أغنية «بيلي جين» صدرت منفردة، وصارت لفرط لحنها الإيقاعي الجديد كلياً والرقصة الخاصة «مون ووكر» لمايكل جاسكون التي أداها حين قدم الأغنية أول مرة في حفلة شركة «موتاون» المتخصصة بموسيقى الأميركيين الأفارقة، وفي ذكرى تأسيسها الخامسة والعشرين، مفتاحاً لنجاح مدوٍ كان بانتظار الأسطوانة. النجاح تعمق مع أغنية «بيت إت» التي ما انفكت الآن تثير تساؤل من يسمعها: هل من المعقول أن لحناً فياضاً ومتدفقاً كهذا، وبعزف منفرد على الغيتار من ايدي فان هيلين، اصبح عمره ثلاثين عاماً؟ انه لحن ينتمي إلى المستقبل، ولو أضفت إليه الفيديو الخاص بالأغنية، والأداء الراقص الاستثنائي لجاكسون مع مجموعة من «شبان عصابات الشوارع»، لوجدنا لحناً شاباً سيظل هكذا عقوداً. «أوسكارات الموسيقى» وكان التتويج الرسمي لأسطوانة «ثريللر»، في أمسية توزيع جوائز «غرامّي» التي تعتبر بمثابة جوائز الأوسكار الموسيقية، ففي آذار (مارس) 1983 رشح مايكل جاكسون لنيل 12 جائزة عن تسع أغنيات تضمنتها الأسطوانة، فضلاً عن 3 أخرى بينها أسطوانة العام، وأفضل موسيقي، وأفضل أغنية في فيلم سينمائي هي «احدهم في الظلام « من فيلم «أي تي» للمخرج ستيفن سبلبيرغ. وطبع فن مايكل جاكسون، في حفلة «غرامّي» لتلك السنة، ببصمة خاصة، فنال سبع جوائز عن الأسطوانة، إحداها بصبحة كوينسي جونز «احسن أسطوانة» وثامنة عن أغنيته في الفيلم الشهير، فصار الحدث تتويجاً رسمياً للأسطوانة الأشهر في عالم الموسيقى المعاصرة. غير أن إحدى افضل أغنيات الأسطوانة، «طبيعة إنسانية» أو «هيومان نيتشر»، خرجت بخفي حنين، فلا هي فازت بجائزة عن لحنها أو تصويرها الجديد تماماً حينها، ولا وصلت إلى المرتبة الأولى في المبيعات بحسب لائحة مجلة «بيلبورد» التي تعتبر مقياساً موثوقاً به للنجاح. يمكن استعادة الأغنية، فنجد معها لمسة رقيقة ليس من السهل التعرف عليها في غناء اليوم، لا لحنها الهادئ وإن امتزج بإيقاع خفيف محبب، كأنه «الطبيعة الإنسانية» في رقتها وحضورها الآسر، يمكن أن يتكرر الآن، ولا الدفء في صوت صاحب أسطوانة «دينجروس» يمكن أن يتكرر في أغنية تالية، فضلاً عن كون تصويرها ذهب إلى استخدام كان جديداً، ولم يعرف من قبل: تحويل الصورة إلى «رسوم مائية» متحركة، بدت في حضورها الرقيق معادلة للتأثير الجميل للحن الأغنية وكلماتها. وسيكون للاحتفال بالذكرى الثلاثين لصدور أسطوانة «ثريللر» إيقاع مختلف، ذلك أن صاحبها المدهش غادر الحياة بطريقة مثيرة للجدل، وهو ما سيجعل استعادة الحدث تحية مزدوجة، للأسطوانة الأشهر في تاريخ الموسيقى ولصاحبها حزناً على غيابه واعترافاً بجميل تأثيره في النغم المعاصر.