قد لا تحرك ساكناً تلك الصرخة التي اطلقها الشاب جورج ابو كرم في تظاهرة العائلات اللبنانية في اسرائيل في طبريا، وعبر فيها عن غضبه من سياسة الحكومة الاسرائيلية تجاه هذه الشريحة من اللاجئين اللبنانيين عندما قال: «نفضل الموت جوعاً في لبنان ولا حياة الذل في اسرائيل». صرخة جورج هذه رددها العشرات ممن شاركوا في التظاهرة وقد نسمعها من مئات آخرين ولكن بالنسبة للمسؤولين الاسرائيليين كل لبناني من عناصر «جيش لبنان الجنوبي» وصل الى اسرائيل عام الفين ولم يعد الى لبنان او سافر الى دولة اجنبية، اتخذ بنفسه قرار البقاء في اسرائيل وفق شروط معروفة منه، وعودته الى لبنان عملية ليست صعبة ولا تواجه العراقيل من جهة الاجراءات القانونية. وبحسب الاسرائيليين، فإن دوافع رفض هذه العائلات العودة تبقى خاصة لكل فرد منها. بعد اكثر من سنة على التظاهرات التي اقامتها عائلات جيش لحد في اسرائيل قبالة وزارة الدفاع في تل ابيب وطالبت خلالها بالحصول على ادنى حقوقها بضمان اجرة بيت ومنع التشرد في الشوارع، عادت اعمال الاحتجاج من جديد وهذه المرة طبريا هي المركز حيث تعتصم عشرات العائلات اللبنانية التي فقدت بيوتها وتعيش مشردة من بيت صديق الى اخر ومنها ما يهددها التشرد في حال واصلت الحكومة الاسرائيلية قرارها الغاء مساعدة السكن. وشارك العشرات من المعتصمين في تظاهرة دعوا فيها حكومة اسرائيل الى التوصل لاتفاق مع الحكومة اللبنانية لضمان عودتهم الى بيوتهم في الجنوب والى حين ذلك ضمان ادنى حقوقهم في السكن وتوفير لقمة العيش. وضمن سياسة حكومة بنيامين نتنياهو «تليين» البحث في قضايا تندرج في الجانب الديبلوماسي مع لبنان، كبحث ملف مزارع شبعا والغجر، مقابل تصعيد حملة استعراض العضلات في الجانب العسكري عند الحدود الشمالية، كما يرى مسؤولون اسرائيليون. وطرح نتنياهو قضية عائلات جيش لحد على جلسة حكومته الاسبوعية مؤكداً ضرورة ايجاد حل لها، وعين الوزير يوسي بيلد مسؤولا عن معالجة ملف هذه العائلات اللبنانية. وليس صدفة ان يختار نتنياهو يوسي بيلد، فهو القائد السابق لمنطقة الشمال ويعتبر الشخصية الابرز في علاقته الجيدة مع جيش لحد قبل عام 2000، وتولى ملف عائلات عناصر هذا الجيش عند هربها الى اسرائيل عبر اتصالاته مع عدد من الدول الاجنبية لاستيعابهم. وعلى مدار سنوات طويلة بذل جهوداً لتحسين اوضاعهم واليوم لدى تعيينه مسؤولا عن ملفهم اعلن بشكل واضح انه سيضعهم على راس اولوياته إيماناً بحقهم في الحصول على حقوقهم. وبرأي بيلد فإن اخلاقيات الدولة العبرية تحتم على كل مسؤول رعاية هذه الشريحة التي تعيش داخل اسرائيل وقدمت لها خدمات على مدار سنوات طويلة. واولى الخطوات التي سيتخذها بيلد الحد من التمييز بين العائلات بما يضمن مساواة في السكن والمساعدة الشهرية. واللبنانيون من جهتهم ابدوا تفاؤلا بتعيين بيلد الذي لم ينتظر الاعلان عن تعيينه رسمياً، وعقد مع ممثلين عن العائلات اللبنانية اجتماعين الاول في مكتبه في تل ابيب والثاني في نهاريا. وقد خرج اللبنانيون متفاءلين من الاجتماعين اذ عرض بيلد خطة عمل تنفذ على مسارين في آن واحد، الاول وهو الأهم، وضع حد للتعامل بتمييز مع عائلات جيش لحد كمجموعتين الاولى تتابعها وزارة الدفاع والثانية تتابعها وزارة الاستيعاب وهي التي تعاني مشاكل وصعوبات كثيرة. اما المسار الآخر الذي سيحاول بيلد الحسم في شأنه هذا الشهر فيتعلق بأجرة السكن والمساعدة الشهرية. فبموجب قرار سابق للحكومة الاسرائيلية حظي بهذه المساعدة عدد قليل من عناصر جيش لحد وهم ممن تولت ملفاتهم وزارة الدفاع واعتبروا من كبار ضباط الجيش سابقاً فيما الاكثرية من عناصر الجيش حصلت على مساعدة سكن لفترة قصيرة ثم تقلصت الى مبلغ مئتي شيكل اي ما يساوي حوالى خمسين دولاراً في حين معدل استئجار البيوت في اسرائيل لا يقل عن اربعمئة دولار شهرياً. وستتوقف هذه المساعدة كلياً الشهر المقبل. اما المساعدة الشهرية، فعلى رغم ما قدمته هذه العائلات من إثباتات وكشوفات تؤكد الخدمة في جيش لحد، لم تحصل عليها. «عندما كنا نخدم في جيش لحد كانت تقدم المساعدات، اليوم لا نحصل على شيء»، كانت العبارة واحداً من الشعارات التي رفعت في تظاهرة طبريا وتعبر عن عمق المشكلة. والى جانب هذا الشعار برز ايضاً شعار المطالبة بضمان السكن ومنع تشرد عشرات العائلات او رميها في الشوارع. النساء عاملات نظافة وبحسب معطيات وزارة الداخلية، فإن اربعين في المئة من عائلات جيش لحد التي هربت الى اسرائيل عام الفين غادرتها الى لبنان او الى دولة اجنبية اخرى. ومن اصل 6400 لبناني، بقيت اليوم 620 عائلة مؤلفة من 2600 فرد، مئتا عائلة تتمتع بمستوى معيشة جيد، وعدد ليس قليلا منها يتمتع برفاهية يحسدها عليها جيرانه اليهود. فقد اشترت لهم دولة اسرائيل بيوتاً فاخرة وفيلات في طبريا ونهاريا وكريات شمونة وغيرها من البلدات اليهودية بصفة رب العائلة من كبار ضباط جيش لحد سابقاً وبعض هؤلاء حصل على سيارة فاخرة وتسجل اولاده في افضل المدارس الاسرائيلية في منطقة سكناه. اما بقية العائلات وعددها 420 فقد ضمتها اسرائيل الى وزارة الاستيعاب. معظم هذه العائلات تعاني مستوى معيشة سيئاً ومهددة بالتشرد. وفي ظل البطالة المتفاقمة في اسرائيل تتضاعف معاناة هذه العائلات اذ لا يجد الرجال عملا. وبحسب فادي منصور احد المشاركين في اعمال الاحتجاج والاعتصام في طبريا، فإن النساء يخرجن بحثاً عن العمل ومنهن من تضطر للعمل في النظافة في البيوت اليهودية. الاعتصام الذي تنظمه مجموعة من العائلات اللبنانية لا يحظى بدعم جميع اللبنانيين فهناك من يدعو الى التروي واعطاء فرصة ليوسي بيلد لحل المشكلة وتقديم المساعدة لهم. وبرأي هؤلاء أن الشعارات التي اطلقت في التظاهرة حول العودة الى لبنان هي شعارات فارغة من المضمون لأن كل لبناني بإمكانه العودة والسؤال ما اذا كان يمكنه تحمل الوضع في ضيعته سواء من الناحية الاقتصادية او الاجتماعية. ويقول احدهم: «الخوف من المستقبل المجهول لهذه العائلات في لبنان هو الذي يمنع عودتها وما علينا التركيز عليه اليوم هو ضمان نجاح جهود يوسي بيلد في إحداث قفزة نوعية على وضعية ومعيشة 6400 لبناني في اسرائيل من دون تمييز».