بمشاركة رئيس اللجنة الوطنية للمعارض والمؤتمرات .. افتتاح النسخة الأكبر من معرض "بيوتي وورلد 2025" في الرياض    كأس الاتحاد للكرة الطائرة.. النصر يواجه الاتحاد .. والهلال يقابل الفائز من الابتسام والصفا    الامير جلوي بن عبدالعزيز" يرعى حفل تخريج 3747 طالبًا وطالبة    فرع وزارة البيئة بنجران يواصل فعاليات أسبوع البيئة 2025، "بيئتنا كنز"    2.02 تريليون ريال قيمة صفقات التركزات الاقتصادية    Bitcoinينافس الذهب في الصعود    4 ملايين ريال لتمويل 82 علامة سعودية    بيئة نجران تطلق فعاليات أسبوع البيئة    أمير القصيم يتسلم تقرير «التجارة»    رئيس الشورى يعقد جلسة مباحثات رسمية مع نظيره القطري    تدشين «سمع السعودية» التطوعي في السنغال    استعراض جهود جمعية العناية بالمساجد أمام نائب الشرقية    أرسنال يتعادل مع بالاس ويترك ليفربول على أعتاب لقب دوري إنجلترا    القادسية يفلت بنقطة التعادل أمام الخليج    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية ينظم فعالية اليوم العالمي للتوحد    القبض على (5) باكستانيين في الرياض لترويجهم (74) كلجم من مادة (الشبو) المخدر    رئيس "حقوق الإنسان": أنظمة الحماية في المملكة نموذج رائد    فهد بن سلطان: القيادة تدعم البحث العلمي والابتكار    نحو فتاة واعية بدينها، معتزة بوطنها: لقاء تربوي وطني لفرع الإفتاء بجازان في مؤسسة رعاية الفتيات    كشمير: تعزيزات أمنية واسعة ومطاردة منفذي هجوم بيساران    "واعي جازان" يحتفي بروّاد العطاء ويُكرّم شركاء النجاح    نائب أمير الرياض يعزي في وفاة سعد البواردي        أمير تبوك يهنئ نيوم بمناسبة صعوده لدوري روشن للمحترفين    بعد أن يرحل الحريد.. ماذا تبقى من المهرجان؟ وماذا ينتظر فرسان؟    فيصل بن سلمان يزور عائلة الرويشد    أمير الرياض يدشّن مشروعات تنموية في الخرج بتكلفة 47 مليون ريال    افتتاح جناح مدينة الرياض بمعرض بوينس آيرس الدولي للكتاب    الرئاسة الدينية تحذر من المقاطع المفبركة لأئمة الحرمين    "النجيمي"عضو فريق توثيق تاريخ كرة القدم السعودية: كافة مكتسبات الكرة السعودية والأندية محفوظة وفق معايير التصنيف    «النقد الدولي» يحذر من تجاوز الدين العام العالمي لمستويات «كورونا»    محافظ الطائف يستقبل مدير عام هيئة حقوق الإنسان بمنطقة مكة المكرمة    أمير تبوك يهنئ نادي نيوم بمناسبة صعوده لدوري روشن للمحترفين    ملك الأردن يغادر جدة    بخبرة وكفاءة.. أطباء دله نمار ينقذون حياة سيدة خمسينية بعد توقف مفاجئ للقلب    الأمير محمد بن ناصر يرعى انطلاق ملتقى "المواطَنة الواعية" بتعليم جازان    حظر جماعة الإخوان في الأردن    رئيس جامعة الإمام عبدالرحمن يفتتح أعمال ومعرض المؤتمر ال17 لمستجدات الأطفال    أمير الحدود الشمالية‬⁩ يدشّن مشروعات صحية بأكثر من 322 مليون ريال    محافظ الطائف يستقبل مدير عام هيئة حقوق الإنسان بمنطقة مكة المكرمة    فعاليات ثقافية بمكتبة الملك عبدالعزيز لليوم العالمي للكتاب    الداخلية: 50,000 ريال غرامة بحق كل مستقدم يتأخر عن الإبلاغ عن مغادرة من استقدمهم في الوقت المحدد لانتهاء تأشيرة الدخول    بيان مشترك في ختام زيارة رئيس وزراء جمهورية الهند للسعودية    ترند اليوم لا تتذكره غدا في هيئة الصحفيين بمكة    مصر ولبنان يطالبان بتطبيق القرار 1701 دون انتقائية    استمرار تحمل الدولة رسم تأشيرة عمالة مشروع «الهدي».. مجلس الوزراء: إنشاء غرفة عمليات لاستقبال ومعالجة بلاغات الاحتيال المالي    سفراء الوطن يحصدون الجوائز العالمية    مؤتمر مكة للدراسات الإسلامية.. فكر يبني وانسانية تخدم    تحاول فرض "الموازية" بقوة السلاح.. الدعم السريع تواصل قصف المدنيين في الفاشر    إعلاميون ل"البلاد": خبرة الهلال سلاحه الأول في نخبة آسيا    اقترب من مزاحمة هدافي روشن.. بنزيما.. رقم قياسي تاريخي مع الاتحاد    إطلاق أكثر من 30 كائنًا فطريًا في محمية الملك خالد الملكية    معرّفات ظلامية    أمير المدينة المنورة يطلع على جهود "الأمر بالمعروف"    مؤتمر القصيم لطب الطوارئ يختتم أعماله    دليل الرعاية الصحية المنزلية.. خارطة طريق لكفاءة الخدمات    ما الأقوى: الشريعة أم القانون    موجبات الولادة القيصرية وعلاقتها بالحكم الروماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعر والترجمة تشكيك وإشكالات
نشر في الحياة يوم 02 - 10 - 2012

لا أظن أن ترجمة تثير من الإشكاليات ما تثيره ترجمة الشعر، غير أن اللافت هو أن التشكيك في إمكان ترجمة الشعر لم تحل من دون تراكم العديد والعديد جداً من الترجمات وفي معظم لغات العالم. فهل حلت كل تلك الترجمات مشكلة ترجمة الشعر؟ أم أنها أنجزت بتجاهل الحديث عن المشكلة أو عدم الاعتراف بها؟ المؤكد هو أننا نتفق جميعاً على أن ترجمة الشعر عمل بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً، وأننا في الوقت نفسه إما نترجم الشعر أو نقرأ ترجماته، أو على الأقل يمارس الترجمة ويقوم بالقراءة بعض من يتحدثون عن الصعوبة أو الاستحالة.
لقد تُرجم الشعر وما يزال يترجم، لكن الشاعر الفرنسي الشهير إيف بونفوا، وهو أحد مترجمي الشعر، سيذكرنا بأننا في الواقع لا نترجم الشعر حين نقول إننا نترجمه، وإنما نترجم شيئاً آخر يقارب الشعر أو يسعى إليه وهو ليس بالضرورة متماهياً به؛ إنها القصيدة. القصيدة ليست الشعر، هذا ما يؤكده بونفوا وهو من أكبر شعراء فرنسا المعاصرين. وليس بونفوا الوحيد الذي يؤكد ذلك التمايز، فقد أكده قبله الناقد والشاعر الإنكليزي كوليرغ، أحد زعماء الحركة الرومانسية في القرنين ال18 وال19 حين قال، إن القصيدة الواحدة تتضمن الشعر وغير الشعر. والتفريق المشار إليه مهم لمناقشة الترجمة حين تقترب من الشعر، مع أن الناقد والمفكر الألماني فالتر بنيامين يؤكد في مقالته الشهيرة «مهمة المترجم»، أن الإشكالية ليست محصورة في الشعر وإنما في اللغة الأدبية عموماً. غير أن بنيامين على رغم موافقته على ما يكتنف عملية الترجمة الأدبية من صعوبات لا يرى استحالتها، بل يؤكد أهميتها ويكرس مقالته الشهيرة لتوضيح ما يحدث حين نترجم الأدب.
في ما يلي من ملاحظات سأضيف المزيد من التفاصيل لما ذكرت تمهيداً لطرح بعض مرئياتي الخاصة التي خرجت بها من معركة الترجمة الشعرية على مدى سنوات. وتأتي مقالة بنيامين في مقدمة تلك التفاصيل. مقالة بنيامين التي نشرت عام 1923 مقدمة لترجمة قام بها لبودلير، وذلك لأهمية أطروحته في استكناه طبيعة الترجمة الأدبية والشعر من ضمنها. فبنيامين يرى أن الترجمة عملية استظهار لما يراه مشتركاً بين اللغات. يقول إن في اللغات، والأدب جزء منها، كما في الحياة ثمة قصدية أو كوامن تسعى للظهور أو للتعبير عن نفسها والترجمة هي الأداة التي تتيح لتلك الكوامن أن تظهر. الترجمة تنظر في المشترك، في اللغة المشتركة بين اللغات، أي بين التجارب الإنسانية على تعددها كما تتمظهر في الأعمال الأدبية.
ومن هنا فإن بنيامين لا يرى أن مهمة المترجم هي في الخروج بترجمة تبدو كما لو كانت عملاً جديداً أو أصلياً، عملاً يخفي كونه ترجمة، وهو عادة ما يسعى إليه مترجمو الشعر بشكل خاص. يرى بنيامين أن الهدف ينبغي أن يكون العكس، أي أنه ينبغي للمترجم، ومترجم الشعر بوجه خاص، أن يقترب من الأصل بحيث يشف عنه، لأن في ذلك إتاحة للمشترك أن يظهر، المشترك الذي لم يعد محصوراً في النص المنقول وإنما في النص الناقل. لذا يدعو بنيامين إلى نوع من الحرفية في الترجمة، الحرفية الناتجة من معرفة وقدرة، التي تحول دون تطابق النصين أو انفصالهما وإنما إلى دخولهما في علاقة تكامل أو بحيث يشف أحدهما عن الآخر. «الترجمة الحقيقية»، كما يقول: «شفافة؛ إنها لا تغطي الأصل».
مسألة أخرى يثيرها بنيامين هي أن الأعمال الأدبية تجد في الترجمة حياة أخروية، لأن العمل الذي ينتج في إطار لغة معينة وفي زمن محدد يفقد بعض سماته وأهميته الآنية بتقادم الوقت، لتأتي الترجمة فتعيده لحياة في مكان آخر وبروح مختلفة. ومن شأن هذا أن يؤدي إلى أن الأعمال المترجمة وقد دخلت فضاءً لغوياً وأدبياً مغايراً تصبح جزءاً من ذلك الفضاء بامتصاص اللغة الجديدة لها. لكن بنيامين يريد للعمل المترجم وقد نقل إلى لغة أخرى أن يحدث فيها أثراً مشابهاً للأثر الذي تركه العمل في اللغة المنقول منها، أي أن ثمة قصدية كامنة في العمل المترجم، سواءً أكان شعراً أم غيره، لا ينبغي أن تضمحل ونجد أنفسنا أمام عمل جديد.
غير أن تشابه العملين، الأصل والمترجم، لا يعني تطابق مهمتي الشاعر والمترجم، كما يقول بنيامين، وهو هنا يتحدث عن الشعر تحديداً. الشاعر، يقول بنيامين، يعمل في إطار لغته الخاصة وليس في إطار اللغة المشتركة التي يعمل، أو ينبغي أن يعمل، المترجم في إطارها. «هدف الشاعر عفوي، أساسي، تصويري؛ في حين أن هدف المترجم اجتزائي، قصيّ، تصوري. ذلك أن ما يشتغل في عملية الترجمة هو موتيف كبير يربط لغات عدة في لغة حقيقية واحدة».
هذه الرؤية المهمة والعميقة تستدعي التفكير والمناقشة، لكن قبل الدخول في ذلك أود أن أطرح الرؤية الأخرى التي ألمحت إليها في بداية هذه الملاحظات: أقصد رؤية الشاعر الفرنسي بونفوا. في مقالة بعنوان: «ترجمة الشعر» نشرت عام 1976 يبدأ بونفوا بإعلانه المستفز: من المستحيل ترجمة الشعر. لكنه يتبع ذلك بالإعلان الذي أشرت إليه، الذي لا يقل استفزازاً، أي التمييز بين القصيدة والشعر. القصيدة تحاول الإمساك بالشعر، أن تكون شعراً، وهو أيضاً ما تسعى إليه ترجمة القصيدة، لذا على المترجم ألا يسعى إلى ترجمة القصيدة نفسها، وإنما إلى ترجمة ما تسعى القصيدة إلى «ترجمته»، أي الإمساك به وتشييئه، وهو الشعر. والتمييز بين القصيدة والشعر يتكئ مثل تمييز بنيامين بين اللغة واللغة المشتركة أو اللغة الخالصة على أطروحة أساسية انطلق منها في مطلع القرن الماضي فرديناند دي سوسير حين ميز بين اللغة بوصفها نظاماً (لانغ langue) واللغة بوصفها تمظهراً متداولاً مؤسساً على ذلك النظام (بارول parole). متحدثو أي لغة يستمدون كلامهم من المتداول أي ما يظهر من النظام الكامن للغة، لأن الأخير أضخم وأكثر تعقيداً من أن يحيط به التداول. وهذا كما هو معروف هو أساس البنيوية كلها في بحثها عن نظام للغة ولغيرها يجعل المتغير أكثر ثباتاً بربطه ببنى تحتية. بونفوا وبنيامين يتحركان في اتجاه متشابه، والاثنان ينطلقان من تجربة شخصية في ترجمة الشعر. بونفوا مترجم معروف، نقل للفرنسية الكثير من الأعمال، ومن أشهرها ترجمته لشكسبير، وهو هنا يتحدث عن تجربته في ترجمة قصيدة للأيرلندي ييتس هي Sailing to Byzantium التي يمكن ترجمتها - بغير قليل من التردد - إلى «الإبحار إلى بيزنطة» أو «إبحار إلى بيزنطة».
يصف بونفوا محاولته لترجمة قصيدة ييتس ويفصل في صعوبة العثور على مقابل فرنسي لمفردات القصيدة، بدءاً بالعنوان - الذي انتهى إلى ترجمته ب«Byzance- l autre rive» «بيزنطة الحلم الأبعد» - لكي يتوصل إلى استحالة ذلك وليخرج من تلك المحاولة بنتيجة شبيهة بما يتوصل إليه بنيامين وتختلف عنها في الوقت نفسه. وجه الشبه هو أن بونفوا، مثل بنيامين، يرى أن ثمة جوهراً يربط النصين الأصل والمترجم، لكنه يختلف في أن الجوهر هو الشعر وليس اللغة، وقد يعود ذلك إلى الصبغة الفلسفية في أعمال بنيامين، وأنه معني باللغة الأدبية عموماً وليس لغة الشعر بشكل خاص. يقول بونفوا إن ما نخسره من عجزنا عن ترجمة القصيدة نربحه في اقترابنا من الشعر نفسه، وهذه مفارقة مهمة وطريفة: «ما نحصل عليه عن طريق التعويض هو الشيء ذاته الذي لا نستطيع الوصول إليه أو الإمساك به، أي شعر اللغات الأخرى».
لكن بونفوا يمضي ليضيف نقطة أخرى مهمة تنبع من شعر اللغات الأخرى. فاكتشافنا لذلك الشعر إنما يأتي نتيجة لكون الترجمة تتيح لنا فرصة معايشة النص بدوافعه، لأننا نكون قد تجاوزنا مسألة الشكل، الذي هو القصيدة، واتجهنا إلى الشعر نفسه الذي تحاول القصيدة أن تمسك به. في هذه الحالة يتبين أن المترجم والشاعر يسيران على الطريق نفسه، طريق الشعر، والمتمثل بالقصيدة بوصفها شكلاً أدبياً، الشاعر بكتابتها، والمترجم بترجمتها.
ولهذا السبب، سبب المعايشة والاتصال بالمشترك، يقول بونفوا إنه تخلص من قصيدة كان يحاول من خلالها رسم صورة شعرية محددة، لكنه لم يستطع واستعاض عنها بقصيدة لييتس قالت ما كان يسعى إلى قوله (وهي قصيدة مختلفة عن قصيدة بيزنطة)، فكأنه في دور المترجم تماهى مع الشاعر. وهذا يتفق مع قوله بأن المترجم حين يكون نفسه كاتباً، فإن من الصعب فصل ما يقوم به من ترجمة عما يقوم به من كتابة. سأقترح بعد قليل أن المترجم حين يكون ناقداً فإن من الصعب فصل ما يقوم به من ترجمة عما يقوم به من نقد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.