«الشيخ محمد بن صالح بن سلطان قبس من نور»    منجزاتنا ضد النسيان    وادي حنيفة.. تنمية مستدامة    النفط يوسع مكاسبه.. والمخزونات تنخفض    انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي في ظل حرب التعريفات الجمركية    المملكة تتصدر سوق قطاع خدمات سفن الروافد بالمنطقة    حين تخطط الدولة بصمت    بمشاركة رئيس اللجنة الوطنية للمعارض والمؤتمرات .. افتتاح النسخة الأكبر من معرض "بيوتي وورلد 2025" في الرياض    الرئيس الفلسطيني: «حماس» وفرت للاحتلال ذرائع لتنفيذ جرائمه في غزة    إيران تندد بالعقوبات الأميركية قبيل جولة المحادثات الثالثة    كشمير: هجوم مسلح على سياح يردي 26 قتيلاً    من يلو إلى روشن.. نيوم يكتب التاريخ    ولي العهد وملك الأردن يستعرضان العلاقات وفرص تنميتها    كأس الاتحاد للكرة الطائرة.. النصر يواجه الاتحاد .. والهلال يقابل الفائز من الابتسام والصفا    جائزة محمد بن صالح بن سلطان تنظم ملتقى خدمات ذوي الإعاقة    الجائزة تحمل رسالة عظيمة    «الأدب» تدشن جناح الرياض بمعرض بوينس آيرس الدولي للكتاب    حماية العلامات التجارية في السعودية    تَذكُّرُ النِّعم    لا مواقع لأئمة الحرمين والخطباء في التواصل الاجتماعي    التصلب الحدبي.. فهم واحتواء    القبض على (5) باكستانيين في الرياض لترويجهم (74) كلجم من مادة (الشبو) المخدر    رئيس "حقوق الإنسان": أنظمة الحماية في المملكة نموذج رائد    4 ملايين ريال لتمويل 82 علامة سعودية    الامير جلوي بن عبدالعزيز" يرعى حفل تخريج 3747 طالبًا وطالبة    فرع وزارة البيئة بنجران يواصل فعاليات أسبوع البيئة 2025، "بيئتنا كنز"    أرسنال يتعادل مع بالاس ويترك ليفربول على أعتاب لقب دوري إنجلترا    2.02 تريليون ريال قيمة صفقات التركزات الاقتصادية    نحو فتاة واعية بدينها، معتزة بوطنها: لقاء تربوي وطني لفرع الإفتاء بجازان في مؤسسة رعاية الفتيات    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية ينظم فعالية اليوم العالمي للتوحد    "واعي جازان" يحتفي بروّاد العطاء ويُكرّم شركاء النجاح    كشمير: تعزيزات أمنية واسعة ومطاردة منفذي هجوم بيساران    القادسية يتعادل إيجابياً مع الخليج في دوري روشن للمحترفين        أمير المنطقة الشرقية يرعى حفل تخريج الدفعة ال55 من طلاب وطالبات جامعة الملك فهد للبترول والمعادن    أمير تبوك يهنئ نيوم بمناسبة صعوده لدوري روشن للمحترفين    بعد أن يرحل الحريد.. ماذا تبقى من المهرجان؟ وماذا ينتظر فرسان؟    أمير الرياض يدشّن مشروعات تنموية في الخرج بتكلفة 47 مليون ريال    افتتاح جناح مدينة الرياض بمعرض بوينس آيرس الدولي للكتاب    أمير تبوك يستقبل الفائزين في معرض جنيف الدولي للاختراعات    بخبرة وكفاءة.. أطباء دله نمار ينقذون حياة سيدة خمسينية بعد توقف مفاجئ للقلب    الأمير محمد بن ناصر يرعى انطلاق ملتقى "المواطَنة الواعية" بتعليم جازان    أمير الحدود الشمالية‬⁩ يدشّن مشروعات صحية بأكثر من 322 مليون ريال    الداخلية: 50,000 ريال غرامة بحق كل مستقدم يتأخر عن الإبلاغ عن مغادرة من استقدمهم في الوقت المحدد لانتهاء تأشيرة الدخول    بيان مشترك في ختام زيارة رئيس وزراء جمهورية الهند للسعودية    ترند اليوم لا تتذكره غدا في هيئة الصحفيين بمكة    سفراء الوطن يحصدون الجوائز العالمية    مؤتمر مكة للدراسات الإسلامية.. فكر يبني وانسانية تخدم    مصر ولبنان يطالبان بتطبيق القرار 1701 دون انتقائية    فريق عمل مشروع توثيق تاريخ كرة القدم السعودية ينهي أعماله    إعلاميون ل"البلاد": خبرة الهلال سلاحه الأول في نخبة آسيا    رئيس وزراء جمهورية الهند يغادر جدة    الأردن يستعد لكشف تفاصيل جديدة عن "خلية الإخوان"    استمرار تحمل الدولة رسم تأشيرة عمالة مشروع «الهدي».. مجلس الوزراء: إنشاء غرفة عمليات لاستقبال ومعالجة بلاغات الاحتيال المالي    معرّفات ظلامية    مؤتمر القصيم لطب الطوارئ يختتم أعماله    ما الأقوى: الشريعة أم القانون    موجبات الولادة القيصرية وعلاقتها بالحكم الروماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا بعد خطاب أبو مازن؟
نشر في الحياة يوم 02 - 10 - 2012

للأسف، فإن خطاب الرئيس الفلسطيني في الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يحمل أية رؤية سياسية جديدة، إذ كان خطاباً عادياً، من حيث اللغة والمضمون، حتى بالقياس لخطابه في العام الماضي.
ما يجب أن تدركه القيادة الفلسطينية جيداً أن العالم، بقادته وحكوماته وشعوبه، ما عاد بحاجة إلى تقارير، أو معلومات عن حجم المستوطنات وعدد اعتداءات المستوطنين، ولا عن أحوال الفلسطينيين الصعبة والبائسة جراء السياسات الإسرائيلية. فثمة سفارات وهيئات ومنظمات دولية تعمل بنشاط في الأراضي المحتلة، وتصدر تقارير دورية دقيقة ومنتظمة عن كل ذلك.
وهذا العالم، أيضاً، ليس بحاجة إلى معلومات عن مواقف إسرائيل، في شأن استمرار الاستيطان في الضفة وتشبّثها بالقدس كعاصمة موحدة لها، وممانعتها الانسحاب إلى خطوط ما قبل حرب 1967، ورفضها حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة. فهي لا تخفي هذه المواقف، وإنما تجهر بها في كل المحافل، من دون أي مبالاة بالقرارات الدولية، بل إنها تصارع، في مواقفها، حتى الرئيس الأميركي ذاته، وفي الولايات المتحدة الأميركية ذاتها.
هكذا لم يكن ثمة داع لكلمة استغرقت 30 دقيقة تحدث فيها الرئيس عن كل الأشياء المعروفة، في حين كان الأجدى له، وللقضية التي يحملها، لو أنه ألقى كلمة موجزة، حمّل فيها الدول الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة الاميركية، المسؤولية عن انهيار عملية التسوية، وانسداد حل الدولتين، بسبب عدم بذلها الضغوط اللازمة لإجبار اسرائيل على الانصياع للقرارات الدولية. وقد كان منتظراً من الرئيس الفلسطيني أن يوضّح «خريطة الطريق» خاصّته لتغيير هذه المعادلة، ولو تطلّب الأمر «قلب الطاولة». فمن غير المعقول الاستمرار على الطريق ذاته، بعد مضي قرابة عقدين على مسيرة أوسلو.
لا ينطوي هذا الكلام على أي مجازفة، إذ إن الرئيس الفلسطيني ذاته كان تحدث قبل أكثر من عام عن الكثير من البدائل والخيارات التي يمكن اعتمادها كبديل عن التعثر في عملية التسوية، ورداً على الصلف الإسرائيلي، وضمن ذلك إمكان حلّ السلطة، والذهاب نحو المقاومة الشعبية، وطرح الوصاية الدولية على الأراضي المحتلة. وفي اجتماع القيادة الفلسطينية، الذي عقد أخيراً في رام الله (15 أيلول / سبتمبر) طرح الرئيس مجموعة من الأفكار من ضمنها إسقاط اتفاق اوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي ووقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، والتي خيّر فيها القيادة الفلسطينية بين رحيله أو تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية من دونه، في ما اعتبر من أخطر اجتماعات القيادة الفلسطينية.
نعم لقد آن الأوان لقلب الطاولة، من الجهة الفلسطينية، إذ بات التمسك بحرفية اتفاق أوسلو وتوابعه، من الاتفاقات الأمنية والاقتصادية، مجرد طوق يكبّل الفلسطينيين، ويشلّ حركتهم، فضلاً عن أن إسرائيل ذاتها تجاوزت، منذ أكثر من عقد من الزمن هذا الاتفاق، الذي كان يفترض أن ينتهي في العام 1999، مع بقاء هيمنتها على الفلسطينيين وتعزيزها الاستيطان في أراضيهم، وبنائها الجدار الفاصل، وانسحابها الأحادي من قطاع غزة، وفرضها الحصار عليه.
أصلاً، وفي معزل عن كل ما حصل، فإن القيادة الفلسطينية تتحمل مسؤولية حصر الفلسطينيين في خيار واحد، لأن هذا الوضع هو الذي سهّل على إسرائيل الإمعان في ابتزازها، وفرض الأمر الواقع عليها. ولعل معضلة الفلسطينيين تكمن في أن الطبقة السياسية المهيمنة لا تشغل نفسها في البحث عن بدائل وخيارات أخرى، بل إنها تشيع المخاوف منها، وربما تبالغ في ذلك، لسبب بسيط مفاده أن هذه الطبقة مدينة في مكانتها وامتيازاتها لكيان السلطة.
في هذا الإطار، ينبغي الاعتراف بأن كل الخيارات والبدائل الأخرى صعبة، ومعقدة، وربما خطيرة، لكن أخطر شيء هو الاستمرار في الوضع القائم، لعقد او عقدين آخرين. فحينها لن يتبقى للفلسطينيين شيء من أراضيهم، ولا من كياناتهم السياسية. في المقابل، ثمة الخيار الذي لوّح به الرئيس أبو مازن، والذي يتمثل بإسقاط اوسلو وإنهاء الاتفاقات الاقتصادية والأمنية.
وبديهي ان خياراً كهذا ينبغي الإعداد له، وضمن ذلك ربطه باستراتيجية سياسية، وكفاحية، حتى لا ينجم عنه فراغ قد تشغله إسرائيل بطريقة مباشرة او بالوكالة. وهذا الخيار يعني تسمية اسرائيل باسمها الصريح كدولة احتلال، وتحميلها مسؤولياتها بوصفها كذلك، والتحرر من دور الوكيل السياسي والإداري والأمن الذي يجعل من واقع الاحتلال الاسرائيلي للضفة أمراً مريحاً ومربحاً.
ثمة خيار آخر يتمثل بتحويل وظائف السلطة الفلسطينية، اي انهاء وظيفتها الأمنية والسياسية، كوكيل وحارس لأمن إسرائيل، وهذا يعني فك ارتباط من طرف واحد مع إسرائيل من جانب الفلسطينيين هذه المرة، وتحويلها الى سلطة وطنية حقاً، مهمتها إدارة أوضاع الفلسطينيين، وتسهيل مقاومتهم للاحتلال.
ومن الواضح أن هذين الخيارين يعنيان انهاء حال التماهي بين السلطة والكيانات السياسية الأخرى، حيث مهمة السلطة ادارة احوال المجتمع الفلسطيني في الضفة والقطاع، في حين ان منظمة التحرير، وفصائلها، مهمتها الاستمرار بعملية التحرر الوطني، بما في ذلك الحض على النضال بالوسائل الممكنة والمشروعة، ضد اسرائيل.
هكذا، ففي الحالين يبنغي الانتهاء من حال الاحتلال المريح والمربح لإسرائيل، وينبغي ان يشعر الاسرائيليون بأن ثمة ثمناً للاحتلال وللاستيطان وللتعنت والغطرسة، لكن بالوسائل المجدية التي تضمن حث الانشقاقات، والتناقضات في المجتمع الاسرائيلي.
باختصار، أعتقد أن الفلسطينيين معنيون بأن يتسلحوا برزمة خيارات، وضمنها طلب الوصاية الدولية، لكن المهم هو عدم الانحصار بخيار واحد (حل الدولة المستقلة في الضفة والقطاع)، وضمن ذلك التسلح برؤية سياسية مستقبلية، تربط بين المرحلي والممكن والواقعي، وبين المستقبلي والمتوخى الذي يتلاءم مع الحقيقة والعدالة.
بمعنى أكثر إيضاحاً، فإذا كان حل الدولتين، المتضمن إقامة دولة فلسطينية في 22 في المئة من ارض فلسطين (كما حددها الرئيس في كلمته)، يعني في التطبيقات الإسرائيلية العملية، التي شهدناها خلال عقدين، مشاركة الإسرائيليين في هذه ال 22 في المئة، في الأرض والمياه والأجواء والحدود والمناطق الامنية والمستوطنات والطرق المخصصة للمستوطنين، فإن هذا الوضع يستدعي استراتيجية مقابلة قوامها قلب الطاولة، بحيث يطالب الفلسطينيون بحقهم في ال 78 في المئة من ارض فلسطين.
وهذا هو معنى التحول من مجرد صراع جغرافي على كيلومتر هنا وكيلومتر هناك، إلى صراع سياسي/قيمي، على مضمون العيش في أرض مشتركة، وفق القيم الديموقراطية الليبرالية، في دولة مواطنين، من دون اي تمييز بينهم.
هذا لا يعني القطع مع فكرة الدولة المستقلة، فهذه ستبقى في نطاق التداول، لكن ذلك يوسّع أفق هذه الفكرة، ويربطها بالتطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة، وبقيم الحرية والكرامة والمساواة والعدالة، التي تخاطب وجدان العالم، حكوماتٍ وشعوباً، أكثر بكثير مما تخاطبهم اسرائيل بمطلبها الاعتراف بها كدولة يهودية.
والحال، ثمة لكل شيء ثمن حقاً، وبدهي أن أية عملية تغيير ستكون لها عواقبها، والتحديات الناجمة عنها، لكن المبالغة في التخوّف من الذهاب نحو هذا الاتجاه لن تؤدي إلا إلى تعظيم المخاطر التي باتت تحدق بالفلسطينيين، وبحقوقهم الوطنية المشروعة.
هكذا، فإن ضياع الأرض لا يمكن الاستعاضة عنه في مجرد طلب عضوية كاملة او مراقبة في الأمم المتحدة، مع أهمية ذلك، وخسارة السلطة الفلسطينية مكانتها بين شعبها لا يمكن التعويض عنه في العلاقات مع اسرة المنظومة الدولية على رغم ما لذلك من معنى.
حسناً، فإذا كانت اسرائيل تريد مقاسمة الفلسطينيين في ال 22 في المئة خاصتهم، ينبغي على الفلسطينيين في المقابل ان يقاسموها ال «78» في المئة «خاصّتها». وبدلاً من العيش في دولة كانتونات، فليكن الكفاح من أجل العيش في دولة ديموقراطية علمانية واحدة؛ أليس هذا أحد أهم العناوين التي طرحتها الثورة الفلسطينية المعاصرة؟
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.