مُرة وحلوة، خفيفة وثقيلة، ساخنة وباردة... فليس ارتشاف القهوة مرتبطاً بوقت محدد، لكن استغناء الشباب في الجزائر عنها غير ممكن، فهي أصبحت نقطة مهمة في الحياة اليومية للجزائريين، ويتفقون على أن السر في ذلك أن القهوة الجزائرية مرتبطة بسيجارة، مهما كان نوع السيجارة، بل الأُولى -أي القهوة- هي الأيقونة الوحيدة للسيجارة، ومن دونها لا يمكن أن يتعدل المزاج، خصوصاً في صباحيات أيام الأسبوع، على ما يقول مصطفى بوعميرة (29 سنة)، بائع مواد غذائية. القهوة والسيجارة، ثنائية سيطرت على مشهد الحياة اليومية للجزائريين، فبالنسبة الى مصطفى هي أغلى من أي شيء آخر مهما كان ثمنه، بل أكثر من ذلك، هي أول ما يتعاطاه الشباب في الصباح الباكر، وخصوصا مشروب «القهوة» التي تعصر بآلات خاصة في محلات المقاهي في العاصمة الجزائرية وغيرها من الولايات عبر الوطن. في الجزائر قصة «شرب القهوة « فصولها طويلة ومتجذرة في الخيال الاجتماعي الجزائري، فبإمكانها تعويض العديد من المشروبات وبثمن بخس لا يتعدى عشرين ديناراً، أي ربع دولار أميركي، وتُشرب أيضاً بعد تناول وجبات غذائية، واللافت أن حكايتها عند الشباب هي صورة يُطلق عليها في اللهجة الجزائرية «الخلوي» و «تقعاد الراس»، أي أن الشاب عندما يرتشف القهوة مع سيجارة تكون بالنسبة اليه وسيلة للإحساس بحال استرخاء الدماغ، «كما تفتح عينيه ومخه وروحه أيضاً، لينطلق في عمله اليومي»، يقول حمزة لعرج، 32 سنة، موظف في مصرف. قصة هذه الثنائية البسيطة، لا يمكن كثيرين من الجزائريين الاستغناء عنها، فهي مرتبطة بمثل شعبي معروف في الجزائر يقول: «قهوة وجارو خير من السلطان في دارو «، هو الشعار الذي رفعه رابح سحنون وأصدقاؤه بحي باب الواد الشعبي غرب العاصمة الجزائرية بمختلف ظروفهم الاجتماعية. كما أن ارتشاف القهوة مع سيجارة يتم ليس فقط في محلات القهوة والشاي، بل هي علامة خاصة بالجزائريين في الشوارع وفي سيارات الأجرة وأمام مواقف الحافلات، فالقهوة تباع في فناجين مصنوعة من ورق سميك يستطيع الحفاظ على نكهتها ودرجة حرارتها، ويمكن المستهلك أن ينقلها معه، خصوصاً أن ارتشافها قد يطول ساعات بالنسبة الى كثيرين ممن يشتغلون سائقي سيارات أجرة أو عمال بناء أو موظفين. ويقول كريم إن القهوة مثل الهواء الذي يستنشقه كل صباح، فلا يمكنه أن ينسى شربها بعد الاستيقاظ من النوم. كثيرون يشربون القهوة في البيوت، ولكنهم يحبذون شربها في محلات تستعمل آلات خاصة لعصر البن، ليكون المشروب ثقيلاً جداً، بل و يشربونها مرتين أو ثلاث مرات في اليوم، وهو ما يعني أن قهوة المقهى أفضل بكثير من القهوة التي تطهى في البيت ،لأن هذه الأخيرة ليست ثقيلة. وبالنسبة للشباب، يُعتبَر مقهيا «موور» و «الشيخ العنقي» الملاذَ الوحيد، خصوصاً مَن يعشقون أنغام «الشعبي العاصمي»، وهو نوع موسيقي خاص بمنطقة الوسط بالعاصمة الجزائرية، وخصوصاً سكان «باب الوادي» و «القصبة» وشارع «بلكور» وساحة الشهداء... وغيرها من أحياء الجزائر القديمة التي تنتشر فيها المقاهي المحافظة على الطابع التقليدي الجزائري. ولبعض الشباب عشق آخر لشرب القهوة، فهم يتخذونه عادة يومية لساعات يقضونها خارج البيوت، وتختلف هذه العادة عن شربها في محل أو صالون، أو وضعها في كوب أو فنجان، فهناك من يعشق رائحة القهوة التي تصنعها آلات قديمة معروفة باسم «الرحاية»، ولا يمكن أن تُستهلك إلا إذا رافقتها قطرات من ماء الورد. ومع اختلاف آلات الصنع، لا يستغني الشاب الجزائري عن فنجان قهوة وسيجارة، وفي الغالب يستهلك الشباب القهوة في فناجين مصنوعة من ورق مقوّى بسيجارة، ويعتبرون ذلك أهم بكثير من العيش في بروج عالية وفلل فاخرة وبيوت شامخة. في محل الملابس الرياضية بشارع «العربي بن مهيدي» بالعاصمة الجزائرية، يعمل مراد لرجاني 31 سنة، وهو يرى ان شربه القهوة يوزاي شراءه سيارة بعد سنوات من جمع المال لدفع ثمنها، فالقهوة هي المفتاح الأول ليومياته في المحل الذي يشتغل به. قبل أن يبدأ البيع، يذهب إلى مقهى السوق المغطى لإحضار قهوته الصباحية، بل وأحياناً يقطع مسافة لإحضارها، تجده يسحب سيجارته ليبدأ بارتشاف القهوة ببطء شديد، وهنا يبدأ في العمل. وبالأرقام، فان الجزائريين يستهلكون بليوناً و500 ألف لتر من القهوة سنوياً، وفق الديوان الجزائري للإحصاءات، الذي يؤكد ان الجزائر تصنَّف في المرتبة 33 عالمياً من حيث الاستهلاك الفردي للقهوة. وتخصص الحكومة الجزائرية قرابة 260 مليون دولار كل سنة لاستيراد البن من الخارج، وارتفع حجم الواردات الجزائرية من البن المحمص وغير المحمص إلى 135 ألفاً و390 طناً سنة 2011.