يشهد الإعداد التلفزيوني المصري إعادة هيكلة جذرية. فبعد نحو عقدين من هيمنة رموز النظام السابق بالإضافة إلى تشكيلة مختارة من رموز المعارضة «المدجنة» التي لا يلحق كلامها الضرر بها أو بالقائمين على البرامج، لا سيما في التلفزيون الرسمي، أو بالطبع بالنظام، هلّت على استوديواته رموز النظام الجديد، التي كان يُحرَّم عليها مجرد التواجد في محيط «ماسبيرو». وأتت نتائج الثورة والمرحلة الانتقالية بمن كانوا مصنفين تحت بند «الإرهابيين» و«المتطرفين» و«دعاة الفتنة»، لكنهم يطلون اليوم على المشاهد باعتبارهم مشايخ، لهم شأنهم في دنيا الفتوى ونطاق الحكم. أولئك يشكلون حالياً الكتلة المركزية في برامح ال «توك شو». ورغم أن عملية إعادة هيكلة الإعداد في القنوات الخاصة، لا تتسم بالمقدار ذاته من الحدة أو الانقلاب الجذري عمّا كان سائداً، إلا أن معدي البرامج اضطروا إلى إخضاع أجنداتهم لعملية تغيير وصلت في بعض الأحيان إلى «درجة الإبادة». ووصل الأمر إلى حد أن بعضهم فضّل اتباع الجملة التي وردت في إعلان الثمانينات عن الحمامات التي دعت المشاهد إلى: «انسف حمامك القديم»! عمليات مستمرة من نسف الحمامات القديمة وتشييد الجديد منها تتطلب الكثير من الجهد من قبل جيوش المعدين، لكنها ليست عملية بالغة المشقة كما يتخيل بعضهم. فبدلاً من متطلبات الفقرة السياسية قبل الثورة من الاتصال بضيف «مع» وآخر «ضد» وثالث يدعي أنه يقف على الحياد، لكنه في واقع الأمر يكون مداهناً للسلطة وصديقاً للمعارضة، خرجت إعادة الهيكلة الإعدادية متبعة الإطار ذاته. فقرة السياسة تعتمد على ضيف «مع» الإخوان وآخر «ضد» الجماعة وثالث يقف على الحياد نظرياً. والأخير بات معروفاً لدى المشاهد أنه ذلك الذي يبدأ حديثه بالجملة الحكيمة «رغم إنني لست إخوانياً» أو «لم أنتخب الإخوان ولكن»... وتفجرت ينابيع الإعداد التلفزيوني بجيوش جرّارة وكتائب فيّاضة من هذه الفئة المستجدة من الضيوف، وبينهم الفنان والكاتب ولاعب الكرة، بل والمذيع أيضاً. ومنهم من كان مصنفاً في ظل النظام السابق باعتباره من «الحزب الوطني»، لكنه كان من الذكاء أن ابتعد عن الأضواء بضعة أشهر، حتى ينساه الناس. لاعب الكرة المشهور يقول: «لست إخوانياً» رغم أن تأييده العلني لحزب «الحرية والعدالة» رفع أرصدة الذراع السياسية لجماعة «الإخوان»، والوزير الإخواني يقول: «لست مرشح الإخوان» رغم أن أصدقاءه وجيرانه يعرفون منذ سنوات أنه منتمٍ الى الجماعة، بل المذيع المحسوب قلباً وقالباً على النظام السابق، وكان مِن أعتى مَن استخدموا لفظ «المحظورة» للإشارة إلى الجماعة الحاكمة حالياً، يؤكد هذه الأيام أنه لم يكن يوماً ضد «الإخوان» أو معارضاً لهم!