«أشعر بهواء إخواني قادم عبر الأثير»! جملة قالها الرجل القابع أمام شاشة التلفزيون وهو يتابع كعادته عشرات برامج ال «توك شو» التي تتصارع كل ليلة على عقول وقلوب ملايين المصريين. ومع وصول مصر إلى محطة مهمة في مرحلتها الانتقالية المتعثرة، أي وصول محمد مرسي الى كرسي الرئاسة، لاحظ كثر رياحاً إخوانية محملة بأجواء مداهنة للجماعة ونسمات منذرة بملاطفة «الحرية والعدالة» بدأت تلوح في أفق الشاشة الفضية. بعض هذه الرياح هب هبوباً عنيفاً أصاب المشاهد بدوار بفعل النقلة الفجائية، ما جعل المشاهد حتماً يشعر بدوار شديد. وتختلف درجات الدوار وشدته التي تصيب المشاهد، بحسب قوة الرياح. فهناك من القنوات ما كان معروفاً بقدر غير قليل من الحياد في تغطياته إبان الماراثون الرئاسي، فإذا بهبوب الرياح الإخوانية، وما تفرضه من أسماء ضيوف، وهويات، وأيديولوجيا إسلامية سياسية نقلة غير عنيفة بالنسبة إلى المشاهد. نوعية أخرى من القنوات عرفت بميل مذيعيها الأساسيين إلى المرشح الإخواني الدكتور محمد مرسي، سواء عن قناعة بمنهجه أو درءاً للفريق أحمد شفيق، هبت عليها الرياح الإخوانية هبوباً لطيفاً جميلاً لم يتسبب في أي بلبلة للمشاهد. ورغم أن التفسير الأول الذي قد طرأ على أذهان بعض الخبثاء هو أن مثل تلك القنوات التي بدأت تداهن جماعة «الإخوان المسلمين»، وحزب «الحرية والعدالة»، والدكتور محمد مرسي، هي من عالم محترفي ركوب الأمواج، سواء كانت أمواج الحزب الوطني الديموقراطي المنحل، أو الرئيس السابق المحبوس حسني مبارك، أو نجله المحبوس والذي كان مرشحاً ليرث عرش مصر جمال مبارك، أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أو جماعة الإخوان، أو من يأتي بعدها، في حال ذهبت الجماعة! وقد تكون هذه المداهنة ناجمة عن ملكة ركوب الأمواج، وقد تكون مداهنة اضطرارية ناجمة عن ضرورات المرحلة، لا سيما مع توارد أنباء عن تغلغل ملكية إخوانية تدريجية في مجال الإعلام الخاص. وإذا كانت بداية الغيث قطرة، فإن بداية الهيمنة إعلام! والمخاوف سائدة حالياً بين كثر من العاملين في مجال الإعلام، بسبب اللجنة المشكلة من قبل مجلس الشورى والمنوط بها اختيار رؤساء تحرير الصحف القومية يهيمن عليها رؤساء لجان المجلس من حزبي «الحرية والعدالة» و «النور». ومن هما يتوقع البعض أن تمتد أيادي الجماعة كذلك إلى قنوات التلفزيون الرسمي في المستقبل القريب، وهو ما يحدث إما عبر رؤساء قنوات ومسؤولين «محبين» للجماعة أو قرروا أن يحبوا الجماعة حتى إشعار آخر. أما المشاهد فسيستمر هو الآخر في أداء دوره في المشاهدة والمتابعة والتحليل، ليس فقط لما يقال في البرامج، ولكن كيف يقال، ومتى، ولماذا! ويتوقع أن تستمر الرياح الإخوانية في الهبوب، تارة حاملة نسمات رقيقة، وتارة أخرى منذرة بعواصف، وما على المشاهد سوى المشاهدة!