في الغرب هناك مصطلحان يقابلان مفردة الأخلاق لدينا، اللفظ الأول وهو يوناني الأصل ويسمى «إيتك» من «إيتويس»، وصار يدعى بالإنكليزية ب «إيثكس»، والثاني وهو روماني الأصل ويسمى «مورل» من «مورس»، ويدعى بنفس الاسم بالإنكليزية وأحياناً ب «مورلز»، واللفظان إيثكس ومورلز يأتيان بمعنى العادات الأخلاقية، إلا أن الأول ومجاله الأخلاقيات التي تخص المجتمع، والثاني ويحال إلى سلوك الإنسان نفسه، أما في لغتنا العربية فليس هناك من مفردتين بنفس المعنيين، وإنما هي لفظة أخلاقيات بمعنى إيثيكس، وأخلاق بمعنى مورل، وعلى رغم اتساع قضايا المجموع الأخلاقية التي تخص الحياة والكائن الحي عموماً، إلا أن مدلول الأخلاق لدينا لم يتسع بالتزامن ليشمل المسائل المطروحة في إطار العلاقة بين الإنسان كنفس، وكروح، مع محيطاته المختلفة، فكله مجموع في سلة واحدة اسمها الأخلاق، وعندما يبرهن المرء من خلال تصرفاته وأقواله على نقص معينه الأخلاقي، فلا نتوانى عن نعته بإنسان لا أخلاق له، هكذا بلا تحديد. بالعموم أخلاقنا وأخلاقياتنا نحن العرب والمسلمين إنما هي آخذة بالتحلّل والتفسّخ بلا داعي يبررها، فإذا كانت الأزمة التي تعرضت لها الأخلاق بعد منتصف القرن العشرين كان مصدرها ذلك التقدم الهائل في العلوم، ومحاولات علمية لتأسيس الأخلاق على أساس العلم، وبالتالي إخضاعها للنسبية والتطور، إذا كانت المشكلة الأخلاقية لدى الغرب قد تُستوعب من زاوية تاريخ العلوم وتطورها، فمن أي الزوايا يمكن أن نفهم المشكلات الأخلاقية لدينا؟ فالتطور العلمي آخر العتبات التي يمكن أن نتمسح بها في موضوعنا مع الأخلاق، أمّا إذا على عامل الفقر، يقول الأفغاني: «لا فضيلة مع الفقر» وهذا صحيح، غير أننا، وبنظرة موضوعية نقول إن البشرية منذ الخليقة وهي مبتلاة بآفة الفقر، فهي ليست بالأمر المستجد أو المتعلق بنا وحدنا، فإذاً، إلى ماذا نعزو نقصنا الأخلاقي؟ التقدم العلمي الكبير في ميادين البيولوجيا والهندسة الوراثية، كما في مجالات المعلوماتية وكيفية الحصول والوصول إليها بصرف النظر عن الوسائل، ناهيك عن الآثار الصناعية والتقنيات المتطورة على البيئة ومنها الخطر النووي ونتائج أسلحة الدمار الشامل على البشرية، كل هذا التقدم من شأنه أن يأتي بنتائج تتعارض مع القيم الأخلاقية على اختلاف الأديان، ومع ذلك فقد يمرر للعلم ما لا يمرر للأخلاق، هذا هو الغرب الذي يعيش التحدي المتزايد بسبب العلم وتطبيقاته الخاصة لمفهوم الأخلاق والضمير الأخلاقي، والسؤال: فإلى ماذا نخضع أزمة قيمنا ومعاييرنا الأخلاقية؟ فالحال لديهم كما فهمنا أن الأخلاق تُهزم في بعض الأحيان لصالح العلم، أمّا الأخلاق لدينا فتهزم لصالح مَنْ بالضبط؟ تعددت المصالح ولم نهتد إلى جواب. القيم الأخلاقية تتمتع باستقلالها عن الفرد، فالخير مثلاً هو الخير ليس لأن فلان اعتبره كذلك، بل لأنه كذلك في نظر كل الناس، فكأن الخير موجود مستقل عن الإنسان، فيكون المعيار هو مدى ارتباطك بهذا المستقل عنك، فالعالم الذي نعيشه ونحياه إنما يضم أشياء وأموراً لا تحصى نصف كلاً منها بأنها «خير»، ولكن هذا الخير في نظر أفلاطون ليس هو الخير بالذات، ولكنه يحاكي الخير ويتشبه به، أمّا الخير الكامل والمطلق والحقيقي، الخير الذي لا يتغير بالزمان ولا بالمكان، الخير الذي تستمد منه الأشياء الطيبة كل ما فيها وما لها من خير، فهو «الله» وحده كما جاء عن أفلاطون... الفيلسوف الذي توصل إلى استنتاجاته بالفطرة، وعلى رغم كل ما سيق غير أن كاتبة السطور متفائلة بعودة الأخلاق مع الأجيال القادمة، فمع كل الفوضى التي عشناها ولا نزال نعيش توابعها، سيأتي جيل يجد نفسه أمام ضرورة تأسيس أخلاقية جديدة تفرض سلطتها على المصالح والعلوم، وبخاصة في مجال التطبيقات المدمرة للعلوم الكيماوية والبيولوجية، فهل سيحيا جيلنا ويعاصر زمن عودة الأخلاق؟ ليتني أملك الجواب. [email protected]