بإطلالتها الرائعة، وتغلغلها في داخل الأجواء الساحرة، سرقت قلوب العديد، واستهوت نفوس الكثير حتى وصلت بهم الحال أن يأتوها من بعيد، لتنتعش أرواحهم من جديد، فتجدهم عند وقت المغيب جالسين في «سقالة جدة» الشهيرة بحثاً عن السكون، والتفكير، ومخاطبة النفس. «سقالة كورنيش جدة» من يقف عليها وأمامه البحر تدغدغه نسمات هوائه، ويطربه صوت أمواجه، لذلك ظلت ملتقى الشخص بأصحابه، ومن وقف عليها وخلفه البحر تجذبه إطلالة جدة، ويوقن بأنها أرض الرخاء والشدة، ولحظتها سيردد «اسقي كل البحر من طلك عذوبة وانثري ضيك عليه». شهدت السقالة الكثير من الذكريات العابرة، والمواقف الساخرة، والمناظر الساحرة، وكونها متفرعة داخل البحر لتكون ثلاث سقالات، لم يقتصر الأمر فقط على الشبان، بل شملت الأسر ليكون لهم من العشق نصيب، متمتعين بسحر أجوائها، مترقبين الشمس في بهاء شروقها، ورومانسية غروبها، مستمتعين بتراقص الأمواج التي تهديهم الطمأنينة في مدها، لتأخذ همومهم في جزرها. يقول أحد سكان مكةالمكرمة الذي فضل الاكتفاء بذكر كنيته «أبو عبدالعزيز» في حديثه إلى «الحياة»، إن سقالة جدة كانت وجهته الأساسية التي يقصدها فور قدومه من مكة «وأجتمع مع أصدقائي لنشاهد تراقص الأمواج مستمتعين بنور الفجر». ولا تختلف حال سعد القحطاني من سكان الطائف عن أبي عبدالعزيز، إذ يحرص بين الفينة والأخرى عند زيارته العروس بالذهاب إلى «السقالة» حتى يشاهد منظر الغروب مع عائلته، أما قريحة عبير فتتهيأ لتنظيم أجمل الأبيات الشعرية وهي تشاهد منظر البحر من خلال السقالة. ولكن دوام الحال من المحال، إذ أصبحت «السقالة» ضحية «استحلال» من قبل الصيادين «العذال»، إذ تتناثر أغراضهم، وترمى سناراتهم، لصيد أسماكهم، فامتنعت بذلك الكثير من العائلات، وأصبحت «السقالة» لديهم من ضمن قائمة الذكريات. ويوضح ماجد الزهراني أن كثرة وجود الصيادين وتوافد الشبان على «السقالة»، حرمت الكثير من الأسر التردد على «السقالة» والاستمتاع بها كما هو معهود من قبل، وبالأخص في عطلة نهاية الأسبوع. وفي ظل عمليات إعادة الشكل التي يشهدها كورنيش جدة في الفترة الحالية من جانب أمانة جدة، تدور التساؤلات من قبل عشاق السقالة، هل ستنمحي هذه الذكريات مع معالم السقالة من على خريطة كورنيش جدة ؟ أم ستعاد بشكل مغاير؟ وأكد المستشار الإعلامي بأمانة جدة الدكتور عبدالعزيز النهاري أن السقالة بعد الانتهاء من المرحلة الأولى والتي أنجز من مشروعها الكثير ستزال، موضحاً أنه سيتم بناء «سقالات» جديدة على امتداد الكورنيش وتحتوي على وسائل الترفيه. وقال النهاري «ستتوافر الكثير من الجلسات الخاصة، وسيستمتع المتنزهون بمنظر النوافير داخل البحر»، مطمئناً محبي الصيد بأنه ستتوافر لهم أماكن خاصة لممارسة هوايتهم بعيداً عن جلسات الأسر.