لسنوات أو قل لعقود من الزمن اتجهت مصر غرباً بحثاً عن تقدم منشود ومجد كان في ماضيها التليد وضاع، أو ربما سُرق مع الكثير غيره مما سُرق، سواء في غفلة من أهلها أو تحت أعين حكامها الفاسدين في بعض فترات تاريخها، إن دول الغرب ليست بالسذاجة التي تجعل في منطقة الشرق الأوسط من ينافس حليفتها الاستراتيجية «إسرائيل»، فكان من الطبيعي أن تكون مصر حليفاً لها... لكن في المرتبة الثانية، تعطى معونات لتشكل بها ورقة ضغط دائمة، تعطى باليمين كي تأخذ بالشمال ما تريد، لسنوات اعتقد النظام المصري الحاكم في عهد مبارك أن نهضة مصر ستكون على يد الدول الأوروبية وأميركا، فانتظرنا تلك النهضة لكنها طالت... طالت كثيراً حتى صار هذا الكثير 30 سنة كاملة! الآن، وبعد أن تغير الزمن، وصار قادة الأمس خلف القضبان وتبدلت الأدوار وحصل الشعب على حريته المسلوبة واختار رئيساً يحكمه لأول مرة في تاريخه، كان لا بد من أن يصاحب تغيير القادة والنظام تغيير مماثل في السياسة المتبعة، سواء داخلياً أو خارجياً، مصر الآن تتجه شرقاً إلى دول آسيا، ليس هذا فحسب بل هي في طريقها إلى التوغل مرة أخرى إلى الداخل الأفريقي والمحيط العربي، ربما هذا ما قد تشهده الأيام اللاحقة. مرسي في السعودية وإثيوبيا والصين وإيران... لتأكيد ذلك، بعد أن كانت دائماً زيارات مبارك تقتصر في العقدين الأخيرين على أميركا وفرنسا وألمانيا وبعض الدول العربية بعينها، مصر الآن تعود إلى ريادتها للمنطقة، وشراكة طويلة المدى مع دول العالم، مصر الثورة تبحث عن استثمارات وتعاون مشترك وليس منح ومعونات، مصر الثورة تؤسس لوضع جديد لا يقتصر على التعاون مع دول الغرب والذي كان سمته الأساسية والغالبة هي التبعية لتلك الدول والخضوع لضغوطها، إن الاتجاه شرقاً نحو دول أثبتت قوتها الاقتصادية واستطاعت أن تغزو العالم أجمع بمنتجاتها بات أمراً ملحاً وضرورياً في الفترة الراهنة واللاحقة، حان الوقت أن تتعرف مصر على دول شرق وجنوب شرقي آسيا وأن تتعلم منها وتتعاون معها، وإلى جانب ذلك نحتاج إلى تعاون أكثر فاعلية مع دول إقليمية فاعلة مثل تركيا وإيران والسعودية، نحتاج إلى تفاهم أكثر وعلاقات اقتصادية وعسكرية وسياسية عميقة مع كل الدول العربية بلا استثناء وألا يترك الأمر تتحكم فيه المشاعر أو مباريات كرة القدم. مصر الآن تعود إلى ريادتها التي غابت عنها لعقود، ولعل خطاب محمد مرسي خلال قمة دول عدم الانحياز يبرهن أن مصر باتت تمضى على طريق العودة إلى الريادة المنشودة.