ما أثارت ثورة عربية الجدل ولا أوغلت بالانقسام كما الثورة السورية التي كانت الأعنف على الإطلاق، حيث شكلت لنفسها حالةً خاصة من موجات الربيع العربي بدمويتها الشديدة ومدتها الطويلة وتأثيراتها التي تجاوزت البعد الإقليمي إلى الدولي. ما يثير الحزن والحنق في النموذج السوري هو حجم الانقسام حولها (إقليمياً) ما بين مؤيد لها ومعارض رغم مشروعية الثورة وحقها الذي يحاكي وضوح الشمس والذي ما لبث أن تطور دولياً ما بين معسكر صيني - روسي من جهة وحلف الناتو من جهة أخرى. لا يهمني هذا التخندق الدولي بقدر ما أفجعني الانقسام العربي .. وتحديداً المعسكر الداعم للنظام السوري وطاغية دمشق، فبأي حق يُدعم هذا النظام ويشد أزره، وما الخير الذي بذره حتى يستحق هذا الدعم من قطاع عريض من القوى اليسارية والقومية بالإضافة إلى حزب الله، فكيف بهم ينادون بحرية الإنسان وكرامته و حقه في العيش الكريم الحر، وكيف لهم أن يباركوا الثورات الأخرى ويجلّوا انتصاراتها ويضعوا سورية في خانة الاستثناء. الذريعة الكبرى التي يأخذ بها مناصرو النظام هو التأييد الذي تلقاه الثورة من دول حلف الناتو وبعض حلفائها العرب..، من المؤكد أن هذه الدول لا تسعى وراء مصالحنا وكرامتنا..لكنها تجري خلف مصالحها في المنطقة، فهل يعني ذلك أن تبقى الشعوب مهانة دون كرامة، رهينة للحكم الظالم تفويتاً لمصلحة الغرب، وهل يعني أننا إذا دعمنا حق الإنسان في العيش الحر الكريم بسورية (تحديداً) فإنه يعتبر دعماً لصالح المشروع الصهيوني. كيف لنا أن نناصر طاغية ونصفه بالمقاوم الممانع ونعتقد بأننا بذلك في طريق النصر وهزيمة المشروع الصهيوني، ونطالب في الوقت ذاته بالكرامة العربية والتحرير.. والمواطن العربي ذاته تسوى كرامته بالتراب. لا فرق إن امتهنني أخي أو أهانني وجار علي عدوي. النتيجة واحدة: لا كرامة. إن أردنا العزة فالعزة تبدأ من الوطن نفسه وإن أردنا التحرير. فتحرير ذاتنا ونصرتها هو السبيل والموطئ لأن نسمو بالعلا ونباهي الكون بكياننا.