أثار الرئيس اللبناني ميشال سليمان في عيد الجيش ال64 مسألة وجود «شوائب» في الدستور «وجب معالجتها»، مؤكداً «دور رئيس الجمهورية الضامن للمشاركة إلى جانب دوره كحامٍ للدستور». وكان سليمان يتحدث في الاحتفال الرسمي بالعيد الذي أُقيم برئاسته أمس في ثكنة شكري غانم في الفياضية، وتضمن تقليد السيوف لضباط دورة «العميد الشهيد نجيب واكيم»، وحضره وللمرة الاولى في تاريخ الحياة السياسية في لبنان أربعة رؤساء بلباسهم الأبيض التقليدي، فجلس الى يمين الرئيس سليمان رئيس المجلس النيابي نبيه بري والى يساره رئيس حكومة تصريف الاعمال فؤاد السنيورة والى يمين بري جلس الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري. وحضر الاحتفال وزراء وديبلوماسيون ووفد من القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل)، ووفد من مراقبي الهدنة. تحليق طائرات ومروحيات وفي أثناء العرض العسكري، حلقت طائرتان نفاثتان من نوع «هوكر هنتر»، اضافة إلى تشكيل من الطوافات العسكرية. كما حلقت طائرة من نوع CARAVAN - CESSNA وثلاث طوافات مخصصة لإطفاء الحرائق من نوع «سيكورسكي» تسلمها لبنان أخيراً. ووضع سليمان إكليلاً من الزهر على النصب التذكاري لشهداء ضباط الجيش، واستعرض القوى يرافقه وزير الدفاع الياس المر وقائد الجيش العماد جان قهوجي. وتلا المر مرسوم ترقية تلامذة ضباط قوى الجيش، فيما تلا وزير الداخلية زياد بارود مرسوم ترقية تلامذة ضباط قوى الامن الداخلي والامن العام. وبعدما سلم السيوف إلى الضباط الذين أدوا القسم، ألقى سليمان كلمة دعا فيها الضباط الى «الالتزام بقسمكم كما أسلافكم ورفاق السلاح، فأنتم الذين عصيتم على العدو فما استطاع شرذمتكم وانتصرتم عليه. يكفيكم أن شعبكم يؤازركم فكنتم على الدوام له وللدولة، ولم ولن تكونوا يوماً مجرّد حماة للنظام». وتحدث عما عاناه لبنان منذ نشأة الكيان الإسرائيلي، «وكانت التضحيات تلو الأخرى ترخص للرد على العدوان فتصديتم لأدواته ولعملائه حفظاً لعزّة الوطن وصوناً لقيمه وحضارته الفريدة المميزة. فحاول الإرهاب وتحت ستار الدين الذي هو منه براء، وباستعماله مخيمات الشعب الفلسطيني المظلوم، أن يوجه لكم ضربة قاصمة باعتقاده أنه يستطيع إرهابكم مقدمة لإنهاء الوطن. كما نشطت شبكات العملاء محاولة اختراق بعض ضعاف النفوس، إلا أن تضحياتكم وصمودكم وسهركم الدائم وأنتم أصحاب قضية قبل كل شيء أحبط كل تلك المؤامرات». وأكد سليمان ان «كل نقطة دم أريقت لم تذهب هدراً بل روت هذه الأرض الطيبة ليبقى لنا الربيع. فأنتم تدافعون عن الحدود إلى جانب قوات الأممالمتحدة لحفظ السلام. ومع هذا فإن إسرائيل لا تزال تخرق القرار 1701 بأعمال استفزازية جواً وبراً وبحراً وبتجنيد العملاء في شبكات التجسس». وجدد «المطالبة بمتابعة التطبيق الكامل لهذا القرار من دون أي تعديل في مندرجاته، ونشدد على تنفيذ بنوده كافة من قبل إسرائيل، والانسحاب من الأجزاء التي لا تزال محتلة من أرضنا في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر، فهذا القرار الذي ارتضيناه ووفرنا الدعم الكامل له عبر انتشار سريع وغير مسبوق للجيش في الجنوب بعد غياب لأكثر من ثلاثة عقود، إنما يؤمن الطريق الديبلوماسي لتحرير الأرض، لكنه بالطبع ليس الطريق الوحيد المشروع لمن احتلت أرضه وهتكت حدوده». الحرص على «يونيفيل» وشدد سليمان على «أن واجبنا يدعونا الى أن نحرص أشد الحرص على عناصر القوات الدولية كما نحرص على جنودنا وعناصرنا وهم الآتون من دول عدة بناء لطلبنا، للتأكد من الانسحاب الإسرائيلي الكامل من أراضينا، من دون قيد أو شرط، وللحفاظ على الأمن والسلام في جنوبنا الغالي». وقال: «شهدنا استحقاقات كبرى واكبت عودة لبنان الدولة إلى مكانتها في الخريطة العربية والدولية فكانت العلاقات الديبلوماسية مع الشقيقة سورية والتي رسخت عمق العلاقة بين الشعبين. واستطعنا أن نجنب الوطن ارتدادات وآثار الأزمات الإقليمية والعالمية ولم يعد ساحة للصراعات بل للحوار، واستعاد صوته المدويّ والمسموع في المحافل. كما اجتزتم وبامتياز استحقاق الانتخابات النيابية التي أُجريت للمرة الأولى في يوم واحد وكانت شفافة وحرة بشهادة الداخل والخارج، وما الحركة السياحية والثقافية والاقتصادية التي تعج أرجاء الوطن بأكمله إلا ثمرة جهودكم وتضحياتكم والتزامكم الدؤوب. أنتم قطعاً حزام الأمان لوطن استعاد رونقه وتألقه». ورأى ان لا بد من «وقفة مساءلة ذاتية ونقد مسؤول عمّا قدمناه كسياسيين، منحنا الشعب ثقته، لتحصين وحدتنا الوطنية أقله وفاء لدم الشهداء، كل الشهداء على مساحة الوطن لأي طائفة أو دين انتموا، وفي أي عقيدة أو حزب انتظموا. ترى ما الذي يمنعنا من تحقيق حلم كل شهيد بوطن ديموقراطي، حرّ، بعيداً من الطائفية والمحاصصة؟ وما الذي يثنينا عن القيام بخطوات إصلاحية لازمة فنعزل الفاسد ونكف يد السارق، ونتبرأ من حامل السلاح لغاياته الخاصة لتتمكن القوى الأمنية من ضرب المخلين؟». ودعا الى «وقفة ضمير أمام أرواح شهداء الجيش الذين تصدوا للإرهاب وللعدو الإسرائيلي جنباً إلى جنب مع شهداء المقاومة وأيضاً مع الشهداء الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء الذي آمنوا فصمدوا بوجه آلة العدو المجرمة وغدر الإرهاب، والى وقفة تأمل أمام أرواح الشهداء الرؤساء والقادة والسياسيين والإعلاميين والمثقفين الذين عملوا فأغنوا الوطن وكانوا قرابين على مذبحه. منهم نستلهم مسيرتنا، وبإرادتكم نقارع المستحيل، وبالمؤسسات نبني وطناً». ونبّه الى ان «التاريخ لن يرحم، والشباب الذين شاركوا في العملية الانتخابية وأولئك الذين سيشاركون مستقبلاً عندما يبلغون الثامنة عشرة من العمر، وأقرانهم المغتربون الذين لبوا دعواتنا فأتوا ليلمسوا أن وطنهم بخير، والذين سيمارسون حقهم في الانتخاب عام 2013 كلهم سيحاسبوننا على أي تقصير أو تقاعس أو تفريط». وقال: «حرام علينا بعد كل ما جرى أن نقع أسرى الأرقام، ان نأسر الوطن بأرقام وتواريخ طبعت سجالاتنا ومعاركنا الانتخابية الطائفية بل المذهبية. لنخرج لبنان من هذا السجن، فهو والحرية صنوان». اين العلة؟ وسأل: «إذا كانت العلة فينا كمسؤولين فلنذهب ونعطي مكاناً لهؤلاء. وإذا كانت في الدستور فلنعمل على تعديله أو تصحيح ما يعتريه من شوائب وضمن روحية اتفاق الطائف ما يكفل تحقيق التوازن بين السلطات. أما إذا كانت العلة في الطائفية فلنعمل على تطبيق ما دعا إليه الطائف في هذا المجال، فنباشر فوراً في وضع قانون انتخابي جديد يزيل شوائب الماضي، ويعكس تمثيلاً حقيقياً لأصوات الناخبين، ووضع تصور منهجي متدرج يفضي إلى إلغاء الطائفية السياسية التي ما زالت تفرز المطبّات المعيقة لتطور الحياة السياسية في لبنان». وأكد ان ذلك «لا يعني التفريط في المشاركة الكاملة للطوائف وفقاً لميثاق العيش المشترك المنصوص عنه في البند «ي» من مقدمة الدستور، بل تحصين هذه المشاركة بتطوير قواعد الاختيار ليبقى لبنان حاجة للإنسانية ونموذجاً حياً وخلاقاً للتنوع والحوار والتفاعل بين الطوائف. فلا مبرر لأن يتملكنا خوفٌ أو ترددٌ أو خشية من المحظور في مقاربة هذا الموضوع. كما لا يجب ألا تكون لدينا خشية من مقاربة موضوع الإشكالات الدستورية التي ظهرت خلال الأزمات التي واجهها لبنان خلال السنوات الماضية، بشأن دور رئيس الجمهورية والمسؤوليات الواضحة التي يجب أن تلقى على عاتقه كي يتمكن من إدارة البلد وإخراجه من مأزق التجاذبات المعطّلة لمصالحه وشؤون المواطنين». ولفت الى ان «ما يدفعني إلى طرح هذه النقاط والتساؤلات هو وفقاً لأحكام الدستور بالذات مسؤوليتي كرئيس للدولة تجاه شعبي، خصوصاً ونحن نجري المشاورات لتأليف حكومة جديدة تعكس وحدة اللبنانيين وروح المشاركة الحقيقية، وفي هذا الإطار، دعوني أؤكد من جديد على دور رئيس الجمهورية الضامن لهذه المشاركة إلى جانب دوره كحامٍ لهذا الدستور». وقال: «يشكّل المسار الذي تتخذه عملية التشكيل، تجربة متجددة لروح الديموقراطية وصيغة العيش المشترك، بعد سنوات طويلة لم نكن نقرر فيها الاستحقاقات الدستورية الرئيسية، حيث كانت تغلب طيلة هذه الفترة تدخلات خارجية مساعدة أو معيقة لمثل هذه الاستحقاقات، أكان ذلك على مستوى إجراء الانتخابات أم تشكيل التركيبة الوزارية. إلا أن تأخر ولادة الحكومة بالسرعة التي يتوق إليها اللبنانيون، وتستلزمها حاجات البلاد واستحقاقاتها، يدعونا إلى التفكير في الثغرات الدستورية التي تعيق قواعد اللعبة الديموقراطية ودوران عجلة الحكم وحسن سير المؤسسات الدستورية والسلطات المحرّكة للدولة. وعلينا معاً أن نضع الإصبع على هذه الثغرات، ونبتدع لها الحلول والمخارج، وفقاً لروحية الدستور اللبناني». مهمات الحكومة الاصلاح واعتبر ان «أمام حكومتنا العتيدة مهمات ومسؤوليات كبيرة. فهي إذ تضم مختلف الأطياف السياسية، يتوقع اللبنانيون منها أن تباشر عملية إصلاح واسعة في القطاعات الإدارية والاقتصادية والمالية والخدماتية والاجتماعية، بحيث تنقل البلاد إلى عتبة الحداثة والتطور، وتغلق مزاريب الهدر وتضع خطة واقعية وواضحة للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وتخفيف أعباء الديون التي ترهق خزينة الدولة والمواطنين، وإيجاد حلول ناجعة لمشاكل الكهرباء والمياه وقطاع الاتصالات والنقل وغيرها». وشدد على ان «بناء الوطن لن يكون إلا بتقديم التضحيات والتنازلات لأجله. ولا تقوم قائمة وطن إلا بمقدار ما يتنازل كل منا عن أنانيته ومصالحه لمصلحة الخير العام فخير الوطن خير للجميع وخير الجماعات شر لغيرها». وقال: «إن الشعب تواق إلى الإصلاح الإداري والسياسي، والى تطبيق ما تبقى من اتفاق الطائف الذي يعتبر ضمانة للجميع، وما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الحوار الوطني في العام 2006، انطلاقاً من روحية وميثاقية اتفاق الطائف الذي يجب أن يقرأ بتمعن وعمق. والشعب تواق بالتأكيد إلى أن يلمس خطوات جدية وهادفة لتحديث المؤسسات ولتعزيز الديموقراطية والمواطنية وآليات قيام المجتمع المدني وتحقيق اللامركزية الإدارية تمكيناً من تحقيق الإنماء المتوازن والمستدام. فالعمل كثير ومتراكم، وآخر ما يتوقعه اللبنانيون من المسؤولين هو أن يغرقوا في التجاذبات السياسية التي تعرقل العمل على تحقيق تطلعاتهم وتجهض أحلامهم وآمالهم بالعيش الكريم والآمن». وفد القيادة وبعد عودته من الاحتفال التقى سليمان وفداً يمثل قيادة الجيش برئاسة العماد قهوجي الذي نوّه بما قدمه سليمان خلال توليه قيادة الجيش لهذه المؤسسة العسكرية، وقال في كلمة ان «العام المنصرم كان مثقلاً بالتحديات، غير اننا تابعنا المسيرة بكل عزم واندفاع، مستندين في ذلك الى إرث من الانجازات المشرقة التي تحققت على ايديكم، فتمكنا من تحقيق نجاحات باهرة في مواجهة الارهاب وشبكات التجسس والعمالة وفي ترسيخ مسيرة السلم الاهلي، وبالتالي الاسهام قدر الامكان في تعبيد الطريق أمام عهدكم الميمون، للإنطلاق بالوطن الى رحاب الاستقرار والطمأنينة والازدهار». وأكد ان «دعمكم للجيش يعتبر بمثابة أمان له، وحافزاً لتعزيز دوره وتفعيل مهماته، وكلنا أمل وثقة بمواصلة هذا الدعم في المستقبل». المر يعد... وكانت بلدية عمشيت كرمت الجيش اللبناني في احتفال في الساحة العامة، حضره ممثلاً رئيس الجمهورية الوزير المر الذي أكد الالتزام «بمتابعة البناء والتطور بتحديث الآلة العسكرية للجيش لدفعه نحو صناعة المعرفة حتى يصير الجيش هو المشروع ومشروع الجيش هو تطوير مجتمع بكامله يتعلم منه كيف تختلط المذاهب وتذوب لأجل لبنان وكيف تتفاعل المواهب وتعمل لأجل جيش أفضل، فوطن أفضل».