نزل عشرات الآلاف من الروس أمس، إلى الشوارع في تظاهرات أطلقت عليها المعارضة تسمية «مليونية»، وشكلت أول مواجهة مع السلطات بعد تبني قوانين تفرض قيوداً على نشاط المجتمع المدني. ورفع المتظاهرون شعارات تندد بسياسات الرئيس فلاديمير بوتين وتطالب باقالته. وعاد مشهد التظاهرات الحاشدة إلى موسكو ومدن أخرى روسية مع انتهاء العطلات الصيفية، وبدء الموسم السياسي الجديد. وشهدت العاصمة تجمّعاً كبيراً لأنصار المعارضة قال ناشطون أنه ضم أكثر من مئة ألف شخص، بينما تحدثت السلطات عن عشرات الآلاف شاركوا في المسيرة التي سُميّت «مليونية» لحض المترددين على الانضمام إليها، شهدت مدن أخرى تجمعات أصغر حجماً من دون الإعلان عن اعتقالات، خلافاً لمسيرات مماثلة سابقة. وعلى رغم أن الشعارات الأساسية للاحتجاجات ركزت على الهموم المعيشية للمواطن، خصوصاً ما يتعلق بزيادة الأسعار وتدني الأحوال في المناطق النائية والأقاليم، كان الشعار الأبرز للمعارضة المطالب بإقالة بوتين ورئيس الوزراء ديمتري مدفيديف حاضراً بقوة. واللافت أن الحزب الشيوعي، أكبر الأحزاب المعارضة الذي يحظى بتمثيل في مجلس الدوما (البرلمان)، إنضم للمرة الأولى في شكل واسع إلى الاحتجاجات، ورفع آلاف من أنصاره أعلامه وشعاراته في ساحة «ساخاروف» التي تجمّع فيها المحتجون. كما لفت الحضور الواضح للأحزاب القومية المتشددة التي رددت شعارات تطالب بمكافحة الفساد وبناء «روسيا النزيهة». وقال المعارض البارز بوريس نيمتسوف إن أطياف المعارضة نجحت في بلورة مطالب «اجتماعية» موحّدة، أبرزها تجميد رفع التسعيرة المفروضة على الخدمات المدنية والتي تحولت فاتورة باهظة، ترهق كاهل الطبقات الفقيرة والمتوسطة. أما بطل الشطرنج السابق غاري كاسباروف فركّز على إنتقاد الموازنة العسكرية الضخمة التي أعلنها بوتين أخيراً، معتبراً أن «الحكومة تأخذ من موازنات التعليم والصحة لتنفق على المؤسسة العسكرية». وكانت موسكو أعلنت قبل نحو أسبوع تخصيص نحو 670 بليون دولار للأغراض العسكرية حتى عام 2020. وشكلت الفعاليات الاحتجاجية أول تحدّ صريح لسلسلة قوانين أقرتها الهيئة الإشتراعية مطلع الصيف، بينها قانون يفرض قيوداً حازمة على التظاهر، وآخر يضع منظمات المجتمع المدني تحت رقابة صارمة للأجهزة الخاصة. كما جاءت التظاهرات بعد يوم على قرار البرلمان إسقاط عضوية المعارض البارز غينادي غودكوف للاشتباه في إدارته نشاطاً تجارياً، على رغم أن القانون الروسي يحظّر ذلك على النواب. واتهم غودكوف أمس، في خطاب أمام المتظاهرين، الغالبية النيابية التي يسيطر عليها حزب «روسيا الموحدة» (الحاكم) بالسعي إلى منع المعارضين من حرية التعبير وتلفيق اتهامات لإبعادهم عن النشاط السياسي، مؤكداً عزمه اللجوء إلى القضاء. وعلى رغم الاجراءات الأمنية المشددة التي فرضتها السلطات في موسكو، قال ناشطون إن التظاهرة كادت أن تتحول مواجهات عنيفة بسبب «استفزازات بعض القوى القومية المتشددة». كما قوبلت دعوة سيرغي أودالتسوف منسق «الجبهة اليسارية» وأحد منظمي «المسيرة المليونية» بحذر، عندما طالب المتظاهرين بمواصلة الاعتصامات في شكل مفتوح. وكانت السلطات حذرت من أنها لن تسمح بتحويل التحركات الاحتجاجية إلى «ميدان روسي»، على غرار ما شهدته المنطقة العربية. وشدد أودالتسوف في خطابه على أن السلطات ما زالت تتجاهل دعوات المعارضة إلى تدابير فورية تخرج البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية. وزاد أن المحتجين يطالبون بإطلاق «المعتقلين السياسيين».