على رغم قناعة عدد من العلماء بأن صوت المرأة ليس بعورة، باعتبار أن النهي مقتصر على عدم الخضوع بالقول وهو ترخيم الصوت وترقيقه فقط، إلا أن موقف عدد من الشرعيين كان رافضاً أن يكون للمرأة مصحفاً مرتلاً في التسجيلات الإسلامية، لعدم ثبوت شيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك إضافة إلى اعتبار تغني المرأة بالقرآن أمام الرجال ضمن الخضوع بالقول الذي يؤدي إلى فتنة. من جانبه، رأى عضو مجلس الشورى والقاضي بالمحكمة الكبرى الدكتور سليمان بن عبد الله الماجد في حديث مع «الحياة»أن الله تعالى أمر النساء بعدم الخضوع بالقول، واعتبر تغني المرأة بالقرآن وتحسين صوتها يدخل ضمن الخضوع بالقول، إذ القرآن يقرأ بالمقامات التي ينشأ على أساسها النشيد والغناء، فكل إمام يتغنى بمقام معين. وأشار إلى أن قراءة المرأة للقرآن مرتلة لا بد أن يكون فيها ترقيق، والترتيل مبني على لحن واللحن مبني على مقام، وإذا حصل هذا التغني فيعد اعظم من الخضوع بالقول لذا ينهون عنه، ولفت إلى أن الخضوع بالقول له قسمين، خضوع في المعنى مثل الكلمات الرومانسية «احبك ..الخ»وخضوع في اللفظ وهذا يكون بطريقة الصوت. وأوضح ان قراءة المرأة للقرآن بصوت ملحن أمر محظور، لأنه سيؤدي إلى فتنة، أما قراءتها للقرآن بالتجويد دون تلحين او ترقيق فلا حرج في ذلك. من جانبه، أكد رئيس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة أم القرى الدكتور محمد السعيدي ل«الحياة»أن وجود أشرطة قرآنية مرتلة بأصوات النساء فيه حرج شرعي، وعلل لذلك بأن تلاوة القرآن عبادة، وفي العبادات يقتصر فيها على ما أمر الله به، ولم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أمر النساء بالتغني بالقرآن، ولو كان ذلك لثبت عن نساء المؤمنين، فلا يوجد نقل صحيح ولا ضعيف يؤيد ذلك. وأضاف: «حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يتغن بالقرآن ليس المقصود منه أن تتغنى المرأة وتجهر بصوتها أمام الرجال، لأن هذا لم يرد في عبادة التلاوة، أما ان تتغنى بالقرآن أمام النساء فلا حرج في ذلك«. وحول استدلال بعض الرافضين لقراءة المرأة بقوله تعالى : «فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا»فقال: «لا أتصور أن هذه الآية متعلقة بجهر المرأة«. ولخص رأيه بقوله: «لو كانت قراءة المرأة للقرآن بصوت مرتل أمام الرجال جائزة لثبت ذلك بالدليل»وأضاف: «أما من يتعلل بأن تلحين المرأة للقرآن يساهم في نشره فنقول له بأن القرآن انتشر في مشارق الأرض ومغاربها منذ أن أنزل دون ترتيل النساء«. صوتها فتنة حتى بالقرآن! من جانبها تناولت الدكتورة لينة الحمصي هذا الموضوع فرأت أنه يستحب لمن يقرأ القرآن الكريم أن يقرأه مجوّداً ويتغنّي بقراءته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن«. وحول حكم تغنّي المرأة بالقرآن الكريم أمام الرجال الأجانب، وهل ينطبق عليه حكم صوت المرأة بالغناء، والذي رجّح العلماء حرمته، أم إنَّ التغنّي بالقرآن أمرٌ مختلفٌ عن الغناء، خصوصاً وأننا بتنا نرى في بعض القنوات الفضائية الدينية نساءً يرتدين اللباس الإسلامي، ويتغنّين بتلاوة القرآن، أوضحت أن الفقهاء القدامى تناولوا ذلك فقالوا: يُكره للمرأة رفع صوتها بالقراءة في الصلاة الجهرية في حال وجود الرجال الأجانب. وأشارت إلى أن هؤلاء الفقهاء لم يوضّحوا هل حكم الكراهة يتناول رفع المرأة لصوتها بالقراءة مع التغنّي بالقرآن الكريم أم بدون تغنٍّ. وأفادت أن كثيراً من العلماء المعاصرين ميّزوا بين رفع المرأة لصوتها بقراءة القرآن الكريم مجوّداً دون تغنّ، وهو عندهم أمرٌ جائز، وبين رفعها لصوتها بقراءة القرآن الكريم مع التغنّي، وهو أمرٌ محرَّمٌ، لأنه ملحقٌ بحرمة غناء المرأة أمام الرجال. وبناءً على هذا أفتى المفتون بعض العلماء بجواز رفع لصوتها المرأة بالقرآن الكريم ولكن بدون تغنٍّ، وخصوصاً إذا احتاجت إلى ذلك في التعلم أو التعليم أو للامتحان في مسابقة أو ما شابه ذلك. بينما أجاز بعض المعاصرين للمرأة رفع صوتها بالقرآن الكريم مع التغنّي، ولكنَّ كثيراً من أهل العلم ينتقدون هذا، لأنَّ تليين وتمطيط بالصوت هو أمر يتنافى مع حشمة المرأة المسلمة وضرورة ابتعادها عن مواطن الفتنة. وأكدت أن كثيرٌ من أهل العلم رجحوا الرأي القائل بحرمة التغنّي بالقرآن الكريم أمام الرجال الأجانب، والعمل بهذا الرأي أحوط وأنفى للشبهة وأبعد عن مواطن الريبة. لا بأس بالقراءة «الهرِم»! المشرف العام على موقع معرفة السنن والآثار ماهر ظافر القحطاني أوضح أنه لا يجوز كما بين الشيخ محمد ناصر الألباني للمرأة عرض القرآن مجودا على الرجال لأن في المد والتغني فتنة وخضوع بالقول للرجال. واستدل بقوله تعالى : «يانساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا»وما رواه البخاري في صحيحه عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ، ورأى القحطاني وفقاً لموقعه، أن المرأة إذا قرأت بالتجويد على هرم لا شهوة له فلا بأس. وفي سياق متصل، أورد موقع «مركز الفتوى»سؤالاً عن حكم تعليم المرأة قراءة القرآن للرجال وتعليم القراءة والتجويد بوجود محرم، فنصت الإجابة أن تدريس المرأة للذكور البالغين يرجع الحكم فيه إلى انضباط الأمر بالضوابط الشرعية، فإذا كانت ملتزمة بالحجاب ولم تحصل خلوة ولا خضوع بالقول، فلا حرج في ذلك، مع أن الأفضل عدم تدريسها البنين البالغين أو المراهقين، ولو انضبط الأمر بالضوابط الشرعية، مضيفة أن هذا يتناول تعليم قواعد التجويد من الناحية النظرية وأما الناحية العملية التي تعتمد على الأداء والتلقين ففيها نظر آخر، فإن قراءة القرآن فيها من التغني وتزيين الصوت ما ينبغي أن تتحاشاه المرأة بحضرة الرجال الأجانب، ولذلك نص أهل العلم على أن المرأة لا تجهر بقراءة القرآن بحضرة الأجانب، في الصلاة وغيرها، بل منهم من نص على أنها تسر بالقراءة مطلقا، قال الرملي: يكره لها أن تجهر بقراءتها في الصلاة حيث يسمعها أجنبي، وقراءتها خارج الصلاة كذلك. اه. واستدل مركز الفتوى بما جاء في الموسوعة الفقهية: يؤخذ من عبارات فقهاء الحنفية - وهو وجه عند الشافعية وقول آخر عند الحنابلة - أن المرأة تسر مطلقا يعني بالقراءة في الصلاة. اه. إضافة إلى ما ورد في البحر الرائق شرح كنز الدقائق: صرح في النوازل بأن نغمة المرأة عورة، وبنى عليه أن تعلمها القرآن من المرأة أحب إلي من تعلمها من الأعمى، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: التسبيح للرجال والتصفيق للنساء فلا يجوز أن يسمعها الرجل، ومشى عليه المصنف في الكافي فقال: ولا تلبي جهرا، لأن صوتها عورة، ومشى عليه صاحب المحيط في باب الأذان، وفي فتح القدير: وعلى هذا لو قيل: إذا جهرت بالقرآن في الصلاة فسدت كان متجها. اه. وفي شرح المنية: الأشبه أن صوتها ليس بعورة, وإنما يؤدي إلى الفتنة، كما علل به صاحب الهداية وغيره في مسألة التلبية، ولعلهن إنما منعن من رفع الصوت بالتسبيح في الصلاة لهذا المعنى، ولا يلزم من حرمة رفع صوتها بحضرة الأجانب أن يكون عورة كما قدمناه. اه. الخوف من استمالة الرجال! قال ابن نجيم: قد يقال: المراد بالنغمة ما فيه تمطيط وتليين لا مجرد الصوت، وإلا لما جاز كلامها مع الرجال أصلا لا في بيع ولا غيره وليس كذلك، ولما كانت القراءة مظنة حصول النغمة معها منعت من تعلمها من الرجل، ويشهد لما قلنا ما في إمداد الفتاح عن خط شيخه العلامة المقدسي ذكر الإمام أبو العباس القرطبي في كتابه في السماع: ولا يظن من لا فطنة عنده أنا إذا قلنا صوت المرأة عورة أنا نريد بذلك كلامها، لأن ذلك ليس بصحيح، فإنا نجيز الكلام مع النساء الأجانب ومحاورتهن عند الحاجة إلى ذلك، ولا نجيز لهن رفع أصواتهن ولا تمطيطها ولا تليينها وتقطيعها، لما في ذلك من استمالة الرجال إليهن وتحريك الشهوات منهم ومن هذا لم يجز أن تؤذن المرأة. اه. وهذا يفيد أن العورة رفع الصوت الذي لا يخلو غالبا عن النغمة لا مطلق الكلام. اه. والمقصود هنا هو التنبيه على أن صوت المرأة في تلاوة القرآن لا يستوي حكمه مع حكم صوتها في كلامها المعتاد، ومن المعروف أن تلقين القراءة وتعليم التجويد لا ينفك عن تلاوة وأداء، بخلاف التعليم النظري، ومن هنا فإننا ننصح الأخت السائلة بالبعد عن التدريس للرجال عموما، وعن تلقينهم القرآن خصوصا ولا سيما وهناك من الرجال الأكفاء ما تحصل به الكفاية غالبا.