تصل الرسالة عبر البريد الإلكتروني بإنكليزية واضحة ومباشرة: «صوتوا ل ايدي ابي اللمع، المرشح عن المقعد الماروني في دائرة المتن». في خلفية الرسالة صورة لأبي اللمع تتوسط راية ل«القوات اللبنانية»، وتحتها توقيع المرسل: الفريق الرسمي (لأبي اللمع) على موقع «فايسبوك». وتنتهي الرسالة بعنوان المجموعة على الموقع الإلكتروني وعبارة: «اضغط هنا لتنضم إلى المؤيدين». دعوة الانضمام الى تأييد ابي اللمع لن تكون الوحيدة. إذ يكفي أن يكون الفرد مواطناً لبنانياً ناخباً وفاعلاً في المجال الإلكتروني، وخصوصاً على موقع «فايسبوك» حتى تصله اخبار المرشحين اللبنانيين وأيضاً الطامحين السياسيين من دون عناء يذكر. فيعرف من دون أن يتابع موجز أنباء واحد أخبار وزراء ونواب وسياسيين بارزين من خلال صفحات اسسها أنصار لهم على الموقع. كما سيتعرف الى شخصيات لم يعرف يوماً بوجودها على الساحتين السياسية أو العامة، وقد صارت مرشحة للانتخابات وفق برنامج منشور في صفحات انشئت خصيصاً لجذب صوت الناخب الكترونياً. «ادعموا ابراهيم ريحان في الانتخابات»، هي واحدة من الصفحات الانتخابية. ريحان الذي لا يعرف الشارع العادي الكثير عنه، تفيد صفحته بأنه مرشح للانتخابات. كما يفيد الجانب الخاص بالنقاش بأن شباناً صادفوا الدعوة في الموقع، استهوتهم الفكرة الى درجة توجيه اسئلة من نوع: «استاذ ابراهيم ما هو برنامجك ورؤيتك للبنان؟»، لتصل الى حد تمني أحدهم على ريحان أن «أهم شيء ألا تنسى الغاء الطائفية السياسية» (إذا ما نجح ريحان في حجز مقعد تحت قبة البرلمان). وبقليل من البحث، ستعيد الذكريات الزائر الى سياسيين من زمن آخر، كالنائب السابق بهاء الدين عيتاني، وقد وزع اصدقاؤه على الموقع دعوة (وصورته ضمنها) يدعون فيها الزوار الى حضور احتفال اعلان عيتاني عن ترشيحه عن المقعد السني في بيروت، الدائرة الثالثة. والى جانب الصفحات الفردية، أخرى أكثر احترافاً تحمل عنواناً يكاد يكون واحداً: الانتخابات النيابية 2009. الى جانب العناوين المتشابهة صور لصندوق اقتراع، بعضها مع علم لبنان في الخلفية وأخرى من دونه. أحد هذه المواقع يخاطب بالعربية والفرنسية والإنكليزية المغتربين بأن: «الانتخابات في 7 حزيران ليوم واحد، على المغتربين الراغبين في أن يحجزوا بأقصى سرعة». ويقصدون هنا أن يحجزوا تذاكر العودة الى لبنان للمشاركة. على هامش الصفحة، عناوين صفحات ذات صلة تستفتي الزائر حول شعبية واحد من القيادات اللبنانية البارزة، منها: «خلينا نشوف كم شخص يحبون ميشال عون؟». العنوان يقود الى صفحة اخرى عليها صورة البطريرك الماروني نصر الله صفير وعبارة: «بكركي قالت كلمة حق». كما يتضمن تعليقات ومقالات، عدد كبير منها يتهجم على عون. وفي صفحة «لبنان البرتقالي» (اللون الخاص بالتيار الوطني الحر) صورة عون وعبارة «فكر صح تيصح الوطن» وإرشادات باللبنانية العامية الى المغتربين (على خلفية اتهام الأكثرية بشراء أصوات المغتربين): «ارجع على وطنك على حسابه، هو هجّرك. علم أولادك على حسابه، هو سرقك. ليس غلطاً أن تغش الغشاش. ليس عيباً أن تكذب على الكاذب. استعمل معه طريقته. هذه فرصتك الوحيده لتأخذ بثأرك. ولما يطلب اليك أن تنتخبه، قل له كما قال لك هو عندما احتجته: اعتبرها منتهية. وقبل أن تضع الورقة في الصندوق لا تفكر بنفسك. انظر ماذا فعل بأهلك. وتصور ما الذي سيفعله بأولادك. إقبض منه وانتخب ضده». وعلى لوحة النقاش مقالات تتهجم على رئيس كتلة «المستقبل» النيابية سعد الحريري. القوى اللبنانية جميعها موجودة على الموقع. لكل منها أنصار يعدون بالآلاف (وصولاً الى 10 الآف ومئات عدة)، ويتبارون في الاستفتاءات الكثيرة لجس نبض الناخبين: «كم شخصاً سيصوت لتيار «المستقبل» في انتخابات 2009؟»، ومثله الى «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتركي» و«الكتائب اللبنانية» وفي المقابل، ل«حزب الله» و«حركة امل» و«التيار الوطني الحر»، وتيارات أخرى. وتتنوع الردود والشتائم بتنوع الأفرقاء، يتراشقون باتهامات كان كررها زعماؤهم قبل قليل. تحمل احدى الصفحات عنوان «ادعم مسيحيي 14 آذار في انتخابات 2009». على يمين الصفحة صورة لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، وتحتها عبارة مكتوبة بأحرف انكليزية تؤدي كلمات عربية: «تم احتلال الغروب من قبل قوات بري الخاصة»، وعبارات دينية. ما ورد يفيد بأن «جنود حركة أمل» مارسوا القرصنة الإلكترونية على الصفحة. واستبدلوا الصور بأخرى تهزأ من القيادات المسيحية في «14 آذار». غير أن البارز في هذه الصفحة، ما تحمله لوحة النقاش من عبارات بذيئة لم تصلها الصفحات السابقة. شتائم وعبارات نابية على السنة شبان وشابات أعضاء في الموقع يتوعّدون الآخرين بأن الحساب سيأتي مع الحرب المقبلة، ولمّا يضيق الخناق ببعضهم يتفقون على اللقاء في مكان محدد لحسم الأمر. الصفحة تشهد حرباً حقيقية لا صوت رصاص فيها. الشبان هنا يستخدمون لوحة مفاتيح ويكتب كل منهم كلمات قاسية، ويتوعدون بعضهم بعضاً بلغة قاسية، ما أن يخترق أياً منهم المجال الخاص بالآخر. الحماوة التي تشهدها صفحات موقع «فايسبوك» الإلكترونية لا تجدها في الشارع. صور المرشحين والسياسيين «تزين» الصفحات هنا، والحدة التي بلغها خطاب أنصار الفريقين تظهر أن المعركة بدأت إلكترونياً قبل وقت طويل.