اتهم الفقيه السعودي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وأستاذ الفقه في المعهد العالي للقضاء الدكتور عمر بن عبدالرحمن العمر شخصيات لم يسمها بأنها ألصقت البهتان العظيم بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب السلفية، حين اعتبروا سلوك «داعش» ترجمة لها. في حين خلص بكل بساطة إلى أن تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة امتداد لفرقة «الخوارج» الممتدة على مر التاريخ. وقال: «مما يبطل هذه التهمة أن أعظم الناس مواجهة لفكر الخوارج والجماعات التكفيرية الإرهابية في عصرنا الحاضر هم علماؤنا السلفيون كالإمام عبدالعزيز بن باز والعلامة محمد العثيمين رحمهما الله، وكذلك المفتي عبدالعزيز آل الشيخ وشيخنا العلامة صالح الفوزان، إذ ردوا جميعا جزاهم الله خيرا على أباطيلهم وكشف شبهاتهم، فكيف يقال بعد ذلك عن هذه الجماعات التكفيرية إنها نبتة سلفية؟ سبحانك هذا بهتان عظيم!». جاء ذلك في سياق بيان مطول، بعث به إلى «الحياة»، أتى رداً فيما يبدو على كتاب ودعاة، دانوا تجنيد شبان سعوديين لتنظيم «داعش»، واعتبروا ذلك تأثراً بخطاب ديني محلي، لا يختلف كثيراً في تنظيره عن الآخر الذي يتبناه «داعش»، قولاً وفعلاً. في ما يأتي نصه: فرقة الخوارج من الفرق الضالة المنحرفة عن الصراط المستقيم، وقد جاء ذمها والتحذير منها في أحاديث كثيرة من السنة الصحيحة، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، أينما لقيتوهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة». رواه البخاري ومسلم. فضل من قتله الخوارج: قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «أول البدع ظهوراً في الإسلام، وأظهرها ذماً في السنة والآثار بدعة الحرورية المارقة؛ فإن أولهم قال للنبي في وجهه: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل، وأمر النبي بقتلهم وقتالهم، وقاتلهم أصحابه مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والأحاديث مستفيضة بوصفهم، وذمهم، والأمر بقتالهم، قال الإمام أحمد بن حنبل: صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه». لا يكفر حتى عبدة بعض الأصنام: وإذا تأملنا واقع الأعداء وجدناهم يمكرون بالمسلمين مكراً عظيماً قديماً وحديثاً، ومن مكرهم وكيدهم أنهم يسعون إلى تشويه الإسلام والدعوات الصحيحة التي قامت على منهج الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة، ومن تلك الدعوات الدعوة السلفية الإصلاحية التي قام بها الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب فرموها زوراً وبهتاناً بتهمة تكفير المسلمين، وأن الجماعات التكفيرية الخارجية مثل «داعش» و«القاعدة» وغيرهما تأثرت بهذه الدعوة السلفية، وهذا كذب وافتراء فإن الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- من أبعد الناس عن تكفير المسلمين الموحدين، يعرف ذلك المنصفون الذين قرأوا أقواله وطالعوا مؤلفاته. فمن أقواله -رحمه الله-: «وأما ما ذكر الأعداء عني: أني أكفر بالظن، وبالموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله). وقال أيضاً: «وأما التكفير، فأنا أكفِّر من عرف دين الرسول، ثم بعدما عرفه سبَّه ونهى الناس عنه، وعادى من فعله، فهذا هو الذي أكفِّره، وأكثر الأمة -ولله الحمد- ليسوا كذلك». وقال أيضاً: «والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك»، وقال أيضاً: «وإذا كنا لا نكفِّر من عبدالصنم، الذي على عبد القادر؛ والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفِّر من لم يشرك بالله؟ إذا لم يهاجر إلينا» وقال أيضاً مخالفاً منهج الخوارج: «ولا أكفِّر أحداً من المسلمين بذنب، ولا أخرجه من دائرة الإسلام».أ.ه فهذا هو موقف الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- من التكفير، فكيف تُنسَب إليه بعد ذلك هذا الجماعات التكفيرية الخارجية الضالة المنحرفة! وأما موقفه من القتال فيقول عن نفسه: «لم نقاتل أحداً إلا دون النفس والحرمة على سبيل المقابلة» وقال: «لا نرى قتل النساء والصبيان»، وقال: «لا نقاتل إلا على ما أجمع العلماء عليه كلهم وهو الشهادتان»أه، فأين هذا وما تفعله «داعش» من قتال المسلمين وقتال أصحابهم جبهة النصرة بل خرج من «داعش» نفسها الآن طائفتان كل طائفة تكفِّر الأخرى وترى قتالها، جعل الله بأسهم بينهم شديد. وإن الناظر بعين العدل والإنصاف في سيرة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب يرى فيها العلم النافع والعمل الصالح والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والرفق بالمخالفين، ومن ذلك ما ذكره عنه حفيده الشيخ عبدالرحمن بن حسن -رحمه الله- أنه في ابتداء دعوته كان يأتي الذين يدعون زيد بن الخطاب -رضي الله عنه- ويستغيثون به فكان يقول لهم: (الله خير من زيد) تمريناً لهم على ترك الشرك بكلام لين، نظراً إلى المصلحة وعدم النفرة، فلم يقل لهم أنتم كفار مشركون أنتم مرتدون ثم يدعو إلى قتالهم بل كان يترفق بهم ويطلب هدايتهم بالتي هي أحسن، فشتان بين هذا العالم الكبير وبين خارجي جاهل يتكلم في نواقض الإسلام، وهو لا يعرف نواقض الوضوء أو يفتي في حرمة الدماء وهو لا يعرف شروط الصلاة «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون»، «أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون». الخلل في فهم «المارقين» لا في كلام «أئمة الدعوة» أشار أستاذ الفقه في المعهد العالي للقضاء عمر العمر إلى أن مما يكشف موقف علماء السلفية وبراءتهم من التكفير، آراء أئمة السلفيين المعاصرين في بلاده ووقوفهم ضد التنظيمات الخارجية. ضارباً المثل بابن باز وابن عثيمين والفوزان. وقال: مما له صلة بالموضوع أن الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- سُئل عمن يقول إن عقيدة الخوارج كانت عقيدة سلفية وإنهم أي الخوارج سلفيون؟ فأجاب بقوله: «هذا قول باطل، وقد أبطله النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله في الخوارج: (تمرق مارقة على حين فرقة من أمتي يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم)»، وفي لفظ آخر عنه أنه قال فيهم: «إنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان»، وقد علم من عقيدتهم أنهم يكفِّرون العصاة من المسلمين، ويحكمون بخلودهم في النار؛ ولهذا قاتلوا علياً -رضي الله عنه- ومن معه من الصحابة وغيرهم، فقاتلهم علي وقتلهم يوم النهروان». وبعد هذا البيان يأتي من يأتي من بني جلدتنا وممن يتكلم بألستنا فيقول: «داعش نبتة سلفية»! ولو كان صادقاً لقال: «داعش نبتة شيطانية خارجية»؛ لأن فكرهم قائم على فكر الخوارج وعلى الكتب التكفيرية التي تنضح بتكفير المجتمعات والدعوة إلى المظاهرات والثورات والاغتيالات وتكفير حكام المسلمين وعدم السمع والطاعة لهم في المعروف، قال الشيخ صالح الفوزان عن هؤلاء: «وإن هؤلاء المخربين إنما أخذوا فكرهم الهدام من فكر الخوارج الخارجين من قبلُ على الإسلام، وأخذوه من دعاة الضلال الذين وصفهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنهم دعاة على أبواب جهنم من أطاعهم قذفوه فيها قيل: صفهم لنا يا رسول الله قال: «هم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا». وأما كون «داعش» يستدلون ببعض كلام أئمة الدعوة السلفية فهذا لا يضرهم، لأن الخلل راجع إلى الجهل والفهم السقيم لنصوص أولئك الأئمة، وحالهم كحال سلفهم الخوارج الأوائل الذين استدلوا على عقيدتهم الفاسدة بآيات من القرآن، فهموها على غير وجهها الصحيح، وهذا الفهم الخاطئ لا يقدح في القرآن، بل هو كتاب عزيز «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد». قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وكانت البدع مثل بدعة الخوارج، إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، ولم يقصدوا معارضته لكن فهموا منه ما لم يدل عليه فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب، إذ المؤمن هو البَّر التقي، قالوا: فمن لم يكن براً تقياً فهو كافر، وهو مخلد في النار. ثم قالوا: وعثمان وعلي ومن والاهما ليسوا بمؤمنين، لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله». ومما يبطل هذه التهمة أيضاً أن أعظم الناس مواجهة لفكر الخوارج والجماعات التكفيرية الإرهابية في عصرنا الحاضر هم علماؤنا السلفيون كالإمام عبدالعزيز بن باز والعلامة محمد العثيمين رحمهما الله، وكذلك المفتي والشيخ صالح الفوزان حفظهما الله، إذ ردوا جميعا جزاهم الله خيراً على أباطيلهم وكشف شبهاتهم، فكيف يقال بعد ذلك عن هذه الجماعات التكفيرية إنها نبتة سلفية!سبحانك هذا بهتان عظيم.