لعل أهم ما يمكن ان يقال عن السينمائي الإسباني كارلوس ساورا، الذي تقام عروض لعدد من اهم افلامه خلال الأسبوع المقبل في بيروت (بالتعاون بين جمعية متروبوليس والمعهد الثقافي والسفارة الإسبانيين في لبنان وعدة هيئات أخرى، في قاعة صوفيل بين الرابع والعاشر من ايلول/سبتمبر)، انه كان تقريباً الوحيد الذي أمّن وجود الإنتاج السينمائي الإسباني خلال المرحلة الفاصلة بين نهايات جيل لويس بونيال وخوان بارديم، وبدايات جيل «الموفيدا» وعلى رأسه بيدرو المودافار. حيث خلال سنوات قد تصل الى العشر، كاد ساورا يكون الإسم الإسباني الوحيد في فضاء السينما الخارجة من اسبانيا الى العالم وبالتحديد من الناحية التاريخية/السياسية، خلال المفصل الزمني الفاصل بين ديكتاتورية فرنكو وبدايات عودة الديموقراطية. ولقد كانت لساورا على اية حال مساهمات فنية وسياسية في تلك العودة. طبعاً من الصعب القول إن الأفلام السبعة التي ستعرض في بيروت على مدى سبعة أيام، ستكون قادرة على ان تعكس كل جوانب سيرة سينما هذا المبدع الذي خاض في العديد من الأنواع، وعرف بخاصة في صحافة المجتمع الأوروبي بكونه رفيق جيرالدين شابلن احدى اشهر بنات تشارلي شابلن والتي قاسمته العمل على بعض افلامه وقامت ببطولة العديد منها وانجبت له واحداً من ابنائه الذين رزقهم من زوجات عديدات. بل إن منظمي العروض اختاروا جانباً واحداً، الى حد ما، من جوانب سينما ساورا، هو الجانب الأكثر ارتباطاً بالموسيقى - والرقص كذلك - ويتجلى ذلك أصلاً من خلال عنوان التظاهرة، «ساورا أو الرواية الراقصة» ما يسمح باكتشاف أو إعادة اكتشاف بعض أعماله بحسب بيان المنظمين. وهو بيان يضيف قائلاً: «كَرّسَ كارلوس ساورا نفسَه لتصوير الموسيقى، كما يتضح في غالبية إنجازاته السينمائية، ومؤخراً عبر فيلم «فلامنكو، فلامنكو»، وهو رحلة حقيقية إلى قلب الفلامنكو، وضوئه وألوانه. من جهة أخرى، قدّم في أفلامه مثل «ابنة العم أنجِليكا» وفيلم «إليسا، حياتي» و «ماما تكمل المئة سنة»، حيث قامت بالدور الرئيسي فيه جيرالدين شابلن، صور من الحياة البرجوازية خلال فترة الحكومة الإسبانية الانتقالية. برجوازية أُكْرِهَت على التمايل بين فَتْرَتَين زَمَنيَّتَين تاريخيَتَين، وفي عالَمَيْن مُخْتَلِفَين. أبرزت هذه الأفلام كبار الممثلين أمثال الممثلة الراقصة والمغنية الإسبانية دافنه فِرْنانْديث، والممثل القدير خوسيه لويس لوبيث باثْكيث». ويؤكد البيان ان ساورا «كرّس نفسه طوال حياته المهنية، لمعالجة القضايا والمواضيع المتنوعة، مثل أفلام السيرة الذاتية، كفيلم «غويا في بوردو»، الذي صّوّر فيه حياة الرسام الإسباني غير المعروف فرَنْثيسْكو دى غويا، أو الأفلام السياسية، مثل: «!آي، كارميلا!»، التي قامت بالدور الرئيسي فيه الممثلة الإسبانية كارمن ماورا، وفيلم «لا كاثا» أو «الصيد» (في النسخة المستعادة والمُرَمَّمَة) الذي حصل مخرجه على جائزة الدب الفضي لأفضل مخرج عام 1966 في مهرجان برلين السينمائي العريق». أما ما ينبغي ان نضيفه الى هذا النص الإحتفالي بسينما ساورا المعروضة في بيروت في وقت يبدو فيه هذا المخرج الكبير منسياً بعض الشيء في أوروبا، فهو ان النقد يقسم مساره السينمائي عادة الى ثلاثيات، حيث لديه ما يسمى بثلاثية العائلة وثلاثية الحياة الزوجية وثلاثية الموسيقى - حتى وإن تحولت في التظاهرة البيروتية، الى سباعية -، اما بروزه الأكبر على الساحة الأوروبية، ومن ثم العالمية، فكان في اوائل السبعينات مع فيلم «كريا كويرفوس» الذي حقق من الإيرادات والمشاهدة ما لم يكن قد حققه اي فيلم اسباني من قبله. بل إن الأغنية التي صاحبت الفيلم وحملت عنوانه، سجلت من النجاح بصوت المغني، المراهقة في ذلك الحين ماريا، ما اعاد الغناء الإسباني الى الواجهة من جديد. وفي هذا السياق نفسه لا بد من الإشارة الى ان تحقيق ساورا لفيلم مأخوذ عن اوبرا «كارمن» لجورج بيزيه كان لافتاً وناجحاً، لا سيما انه اتى في وقت كان زميله الإيطالي فرانشيسكو روزي قد حقق بدوره فيلماً عن الأوبرا نفسه، ما فرض المقارنة بين الإثنين وكانت على الأرجح لصالح ساورا فنياً في وقت كان روزي يعتبر واحداً من كبار المبدعين السينمائيين في العالم. والمؤسف بالطبع ان التظاهرة البيروتية تخلو من هذين الفيلمين الأساسيين في مسيرة ساورا.