نسمع كثيراً في الاذاعات وعلى ألسنة المتناقشين ومن قراءة الصحف والمجلات كلمة الرأي العام العالمي او الأوروبي او العربي، لا بل نستخدمها في أحاديثنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية من دون ان يكون لدينا اي مفهوم دقيق لهذه الكلمة. فالرأي العام او الضمير الداخلي للأمة هو عبارة عن تفاعل الآراء، وهو ناتج من تصادم بين اتجاهين مختلفين حول مسألة معينة يسود منهما اتجاه الغالبية من الناس ضد الاتجاه الآخر، ولا يمكن أن يكون هناك أي رأي عام في مسألة يتفق عليها الجميع كمسألة علمية او طبيعية، مثل حدوث فيضان أو هبوب إعصار او انفجار بركان. والرأي العام يوجد على السواء في الدول الديكتاتورية والديموقراطية، وإن قال بعض العلماء إن الرأي العام لا يوجد الا حيث توجد الديموقراطية، والرد على هذا القول هو أن الرأي العام، مثلاً، انشغل في أميركا عام 1919 بسياسة النأي عن أوروبا، فهل الواجب ان نساهم بسياستها، وإن كنت فكرياً لا أؤيد هذا التدخل ومثيله الآن عند العرب. ثم عاد الرأي العام الى الانشغال من جديد حول مسألة الاقتصاد، فهل يظل حراً أم يجب اللجوء الى الاقتصاد المنظم، لكن سيطرة البنتاغون كانت قوية وأدت الى الاقتصاد الحر. كما ان الرأي العام يظهر في الحوادث، كوقوع جريمة نكراء، كما يظهر بشكل اشاعة او دعاية او حكمة او قصة او كاريكاتور او تمثيلية او مسرحية او ملهاة او أغنية او كتابة على الحيطان في الليل او التخريب والتظاهر، وهو هنا عبارة عن ضغط من دون سلطة رسمية. والرأي العام له عقل جمعي حادس، وإن كان غير واضح، وهو عاطفي بالدرجة الأولى، وأنواعة أربعة: رأي عام واضح، ورأي عام مستتر، ورأي عام الانتخاب، ورأي عام جهري... اما الكيفية التي يتأثر بها فهي مختلفة، منها العاطفة الواعية والغامضة التي ظهرت في الدراسات العلمية، خصوصاً عند نقل الخبر فيصبح محرفاً، لأن ناقل الخبر هدفه اقتصادي او سياسي. كما ان الرأي العام يتأثر بالأرقام، خصوصاً في الحروب، فمثلاً عندما تقدمت القوات الفرنسية كيلومترين في الحرب الكونية الثانية، أعلنت انها احتلت ملايين الميلليمترات المربعة. كذلك نرى ان أرقام موازنات المصارف يُعلن بعضها ويبقى بعضها مخفياً، كما يعلن التجار ان سعر بضاعة ما هو 9,19 بدلاً من 20. ان تكوين رأي عام واضح وهادف وذي عقل منظم ينطلق أساساً من الالتزام بالمسؤولية.