تسود الشارع اليمني مشاعر متباينة إزاء النتائج التي خرج بها مؤتمر المانحين في الرياض قبل أيام وأعلن فيه عن تعهدات مالية أولية قيمتها 6.4 بليون دولار. فبينما يُعرب كثر عن تفاؤل وارتياح إزاء قرارات المؤتمر وإمكان أن تساهم في حل المعضلة الاقتصادية الممتدة منذ سنوات، يخشى آخرون أن تتبخر وعود المانحين ويتأخر وصول الدعم لأسباب تخص الحكومة اليمنية نفسها أو آليات المانحين في تدفق المساعدات. وخلال السنوات ال16 الماضية عُقدت سلسلة من المؤتمرات الدولية الخاصة باليمن كان أولها مؤتمر لاهاي عام 1996 في هولندا، والذي أيد البرنامج التصحيحي للحكومة اليمنية الذي أعدته لوقف الانهيار الاقتصادي، ووافق على منح اليمن 500 مليون دولار، منها 150 مليوناً كانت سبقت المؤتمر، أما المبلغ المتبقي فاعتُبر تمويلاً استثنائياً، بينما نجح هذا الدعم في وقف التدهور الاقتصادي بعد حرب صيف 1994 التي كلفت اليمن نحو 11 بليون دولار. وعُقد مؤتمر آخر في بروكسيل عام 1997 ووافق على تقديم 1.8 بليون دولار لليمن، تلاه المؤتمر الدولي للمانحين في فرنسا عام 2002 لدعم جهود الحكومة اليمنية الاقتصادية، وبحث الانعكاسات السلبية التي خلفتها أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 على الاقتصاد اليمني، وخرج بدعم مالي مقداره 2.3 بليون دولار مقارنة ب1.2 بليون التزامات سابقة. وبرز الالتزام السعودي بدعم التنمية في اليمن من خلال تعهد المؤسسات المالية السعودية على هامش انعقاد مؤتمر المانحين في باريس، تقديم 300 مليون دولار للمساهمة في تمويل مشاريع الطرق والكهرباء، كما تبلور الالتزام القطري لدعم التنمية من خلال تقديم 90 مليون دولار. ويُعتبر مؤتمر المانحين في لندن عام 2006، الذي بحث تمويل المشاريع التنموية، بمثابة نقطة تحول في مؤتمرات دعم الاقتصاد اليمني، وشارك فيه أكثر من 150 ممثلاً لأكثر من 80 جهة مانحة، واختتم بالإعلان عن منح اليمن 4.7 بليون دولار. وأكدت دول الخليج التزامها دعم مسيرة التنمية اليمنية والمساهمة في تغطية عجز الخطة الخمسية الثالثة بنحو 2.1 بليون دولار، وتبنت السعودية الجزء الأكبر من الدعم ببليون دولار، في حين تساوت قطر والإمارات بدعم مقداره 500 مليون لكل منهما، أما عُمان فقدمت 100 مليون دولار، وتعهد الصندوقان العربي والإسلامي تقديم 900 مليون دولار. وقال الرئيس اليمني السابق على عبدالله صالح في افتتاح أعمال المؤتمر في لندن، ان بلاده لم تستفد إلا بنحو 20 في المئة من نتائج مؤتمر باريس. وفي بداية عام 2010 عُقد مؤتمر لندن للمانحين لمناقشة الأوضاع في اليمن في ظل المعلومات التي تضمنها تقرير عن الصعوبات التي تواجها البلاد، لكنه لم يُسفر عن تعهدات محدّدة. قروض ميسرة وخلال مؤتمر الرياض نهاية شباط (فبراير) 2010 أعلنت المملكة استكمال تخصيص المبلغ المُقدّم خلال مؤتمر لندن للمانحين عام 2006 والبالغ بليون دولار، كما أقر مجلس التعاون الخليجي تخصيص 3.2 بليون دولار، أي 90 في المئة من إجمالي تعهدات دول المجلس والصناديق التمويلية الإقليمية الممنوحة في لندن عام 2006. ويُذكر أن بعض التعهدات المالية لم يتم الالتزام بها بالكامل، كما أن معظمها كان قروضاً بشروط ميسرة بينما كانت الهبات والمنح التي لا تُرد قليلة. وأكد رئيس «المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية» وزير التجارة الأسبق محمد أفندي، أن «الشراكة اليمنية الإقليمية والدولية بين عامي 2006 و2011، لم تنشأ من ظروف طبيعية، بل كانت تفاعلاً من المجتمع الدولي مع ظروف استثنائية يمر بها اليمن، وهي الحال الاستثنائية التي أوصلت البلاد إلى شفير الانهيار والفشل». وأضاف: لم تكن الحكومة اليمنية جادة في الوفاء بتعهداتها في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة واكتفت بإصلاحات شكلية، كما أن شركاءها لم يتمكنوا من الوفاء بتعهداتهم في صورة فعلية، بسبب تقصير الجانب اليمني أساساً والمتمثل في تدني مستوى الكفاءة الفنية والمؤسسية والإدارية في الأجهزة الحكومية، واستمرار الفساد، وغياب آلية التنسيق الواضحة لاستيعاب موارد المانحين». ولفت إلى «تخصيص موارد المانحين بما نسبته 98 في المئة من إجمالي التعهدات، ووُقع على 78.7 في المئة من الاتفاقات التمويلية، إلا أن المسحوب فعلياً من هذه الموارد لم يتجاوز نحو 22.7 في المئة من إجمالي التعهدات حتى حزيران (يونيو) 2011، بل أن إجمالي التعهدات حتى هذا التاريخ لا يمثل سوى 16.9 في المئة من الفجوة التمويلية للتنمية الألفية بين عامي 2011 و2012». تأهيل اقتصادي وأعتبر الأفندي أن أحد الأهداف الضمنية للشراكة هو تأهيل اليمن اقتصادياً للاندماج في مجلس التعاون الخليجي، بيد أن ضعف فاعلية الشراكة في المرحلة السابقة أطاح بهذا الهدف وما زالت فترة الانتظار طويلة أمام اليمن. وتُعد دول الخليج في السنوات الأخيرة أكبر داعم اقتصادي لليمن بين التكتلات الدولية، إذ تفيد بيانات الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي بأن دول المجلس استحوذت على 70 في المئة من إجمالي التعهدات المالية التي قُدّمت لليمن، وتجاوزت قيمة مساعداتها التنموية والإنسانية العاجلة خلال عام 2011 نحو بليون دولار. وأفادت الوثائق بأن اتفاقاً عُقد مطلع السنة لاستئناف العمل في البرامج والمشاريع التي توقفت بسبب الأزمة، وتتجاوز قيمتها 600 مليون دولار، كما اتفق على بدء تنفيذ مشاريع تنموية أخرى هذه السنة تتجاوز قيمتها 750 مليون دولار. ورأى الباحث اليمني في التنمية الدولية موسى علاية، أن «مؤتمرات أصدقاء اليمن مهمة جداً، خصوصاً لسد الفجوة التمويلية للمشاريع الاستثمارية ودعم جهود إعادة الاستقرار، لكن لابد من وجود آلية وإدارة فاعلة للبرامج المنبثقة عن مثل هذا الدعم الدولي، وفي المقابل يجب على الدول المانحة الالتزام بدفع التعهدات المالية المعلنة والتي ستُعلن». وأشار إلى أن «إجمالي التعهدات لليمن في شكل معونات ومنح وهبات وقروض ميسرة خلال هذه المؤتمرات بلغت نحو 13 بليون دولار، لكن نجاح المساعدات الحالية والمستقبلية يرتبط بمستوى الاستفادة من الأخطاء السابقة ومحاولة خلق آلية مناسبة ورفع القدرة المؤسسية لدى الجهات التخطيطية». وفي تطور مهم لتحسين آلية استفادة اليمن من المساعدات الخارجية يعتزم شركاؤه تنشيط دور المنظمات المدنية المحلية والدولية في إدارة هذه المساعدات وتوزيعها، ويُظهر التقويم الاجتماعي والاقتصادي المشترك لليمن، الذي نفذه كل من الاتحاد الأوروبي و»البنك الإسلامي للتنمية» والأمم المتحدة والبنك الدولي، أن اليمن يحتاج إلى 4.75 بليون دولار سنوياً على شكل مساعدات خارجية واستثمار حتى نهاية عام 2014، ولكن البلاد تستطيع استيعاب 1.4 بليون دولار فقط.