كشفت الحملات السياسية المحتدمة بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري في الولاياتالمتحدة، عن الكثير من الأسرار المخفية في سجلات الرئيس باراك اوباما ومنافسه ميت رومني. وركز الجمهوريون قبل مؤتمرهم الوطني، على مراجعة سلسلة الخطوات المتعثرة التي قام بها اوباما عقب دخوله البيت الابيض. وقالوا ان دول العالم الاسلامي والشرق الاوسط، قد خيبت آماله في عمليه تحقيق تحالف تكون فيه مصر وسورية في طليعة الدول المشاركة. وظهر خلال مرحلة التقارب اسم اليهودي الاميركي توم داني، رئيس منظمة «ايباك» من 1980 حتى 1993، كوسيط ومشجع على تأسيس التحالف الذي دعا اليه اوباما في القاهرة عام 2009. وبسبب علاقة توم الوثيقة بكبار الاعلاميين الاميركيين، فقد عهد اليه الرئيس مسؤولية اسكات منتقدي اقتراحه. وكان البعض حذر من الانفتاح على سورية كونها تدعم منظمات معادية لواشنطن مثل «حزب الله» و «حماس» والجهاد الاسلامي وكل من تسانده ايران. وقد ازدادت صيحات التحذير بعدما قررت ادارة اوباما ارسال سفير جديد الى دمشق، على امل التدخل لوقف النزاع. ولكن الزيارات المتكررة التي قام بها السفير روبرت فورد لمدينتي حمص وحماه، لم تقنع المسؤولين السوريين بنياته المخلصة. ويبدو ان المعارضة كانت تستغل زياراته لمواقع النزاع بهدف توظيفها اعلامياً لكسب المزيد من المؤيدين والمساهمين. مع دخول سورية أجواء الحرب الاهلية، انتقلت الولاياتالمتحدة لتدعم موقف الدول المعادية لنظام دمشق. ولكن خصومتها بقيت محدودة بحيث انها امتنعت عن تزويد جيش سورية الحر بأسلحة هجومية وصواريخ مضادة للطائرات الحربية. والسبب ان ادارة اوباما ترغب في اطالة امد مرحلة الاستنزاف والامتناع عن منح المعارضة السلاح المطلوب لتعطيل فعالية المظلة الجوية الناشطة في أجواء حلب ودمشق وحمص وحماه. ويقول المراقبون ان هذه السياسة المحاذرة تنطلق من استراتيجية جديدة تستبعد تكرار الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها ادارة بوش في العراق. ذلك ان التداعيات التي رافقت عملية ازاحة نظام صدام حسين، ساهمت في نقل العراق الى الحضن الايراني، وساعدت على تنشيط عناصر «القاعدة»، وعززت خطوط الداعين الى تقطيع اوصال وحدة العراق. لهذه الاسباب وسواها يفضل الرئيس اوباما الكف عن تقليد الجمهوريين الذين اغرقوا اميركا في مستنقعات سياسية وأمنية داخل العراق وأفغانستان. وهو يتطلع باهتمام الى مخاطر ازدهار موسم الميليشيات في سورية. وفي تقدير خبراء ادارته ان تفكك النظام السوري، سيخلق افغانستان ثانية على المتوسط، مع وجود عشرات التنظيمات المسلحة والقوى الطائفية المتنازعة على السلطة. ويذهب الروس في تشاؤمهم الى ابعد من هذا بكثير، لاقتناعهم بأن ما يحدث في سورية سينتقل بالعدوى الى تركيا ولبنان والاردن وإيران، ليجعل من الشرق الاوسط الذي عاش نحواً من مئة سنة داخل خطوط سايكس – بيكو والدول القومية... شرقاً جديداً تحكمه تقسيمات مذهبية وطائفية وعرقية وقبلية. في مؤتمر الحزب الجمهوري الذي عقد في «تامبا»، عرض ميت رومني تحدياته الاساسية لمنافسه الديموقراطي اوباما، بإعلان رفضه قبول ايران ذرية. وقال أمام جمهور المصفقين، ان حزبه في المعركة الانتخابية المقبلة لن يبحث في الاقتصاد المتردي فقط، ولا في ضرورة اصلاح القانون الصحي، ولا في اهمية توفير العمل لملايين العاطلين من العمل... بل سيركز على مسألة القنبلة الذرية الايرانية ومدى استعداد الحزبين للقيام بعمل عسكري يمنع تحقيقها. وعلق نائب الرئيس جو بايدن على تحدي رومني، بإظهار امتعاضه من سذاجة مرشح للرئاسة يدعو الى محاربة ايران بهدف الفوز بأصوات لا يستحقها. وفسر الجمهوريون جواب بايدن بأنه تهرب من مواجهة الحقيقة المطلوبة. لذلك تولت صحيفة «نيويورك تايمز» مسؤولية الرد بأسلوب صريح قالت فيه ان اوباما تقاعس عن توجيه إنذار الى ايران قبل ان يتعهد لإسرائيل برسم خطوط حمراء. ولو انه فعل، لكان بذلك ارضى نتانياهو وحكومته. ثم استطردت الصحيفة لتقول: ان اوباما انسان عقائدي قبل ان يكون سياسياً. ولهذا فهو لا يؤمن بالتهديد العسكري لدولة تسعى الى امتلاك ما تمتلكه كوريا الشمالية وباكستان والهند وإسرائيل. ثم اختتمت الجريدة تحليلها بتذكير الرئيس اوباما بمضمون الخطاب الذي ألقاه في براغ منتصف شهر نيسان (ابريل) 2009، يوم قال انه يحلم بعالم نظيف من السلاح الذري. ومثل هذا التصريح يتناقض مع المؤشرات الاعلامية التي ترسلها ادارة اوباما لمعركة الرئاسة المحددة في السادس من تشرين الثاني (نوفمبر) 2012. قبل اسبوع، صرح رئيس هيئة الاركان الاميركي مارتن دامبسي بأن بلاده لا ترغب في ان تكون طرفاً في هجوم اسرائيلي ضد ايران. ورد عليه رئيس الاركان الاسرائيلي بيني غانتس، بأن قدرة الجيش الاسرائيلي متفوقة في كل مكان وكل زمان. ثم ذكّره بعملية قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981، وكيف ان مناحيم بيغن وآربيل شارون، قررا حجب المعلومات عن واشنطن الى حين انتهاء العملية. وفهمت الادارة الاميركية من فحوى هذه التصاريح ان حكومة نتانياهو تريد ابتزاز اوباما وإحراجه سياسياً، أمام مرشح جمهوري لم يخجل بتأييد اسرائيل. ويستدل من هذا التراشق الاعلامي الهادف، ان اوباما يرفض ان تكون مسألة القنبلة الذرية الايرانية هي الورقة الاولى في انتخابات الرئاسة. لذلك ارسل توضيحاً الى طهران بواسطة طرف ثالث، يؤكد فيه عدم مشاركة قواته بأي هجوم اسرائيلي مرتقب. كما طلب في الوقت ذاته من ايران عدم ضرب القواعد العسكرية الاميركية في منطقة الخليج. تدعي الصحف الاسرائيلية ان نتانياهو لا يطمع في احراج الرئيس اوباما فقط، وإنما يسعى في الوقت ذاته الى استكشاف نياته المبيتة بشأن القنبلة الذرية الايرانية. وهو امر ملتبس وغامض نقلته الى رئيس وزراء اسرائيل مصادر عدة مقربة من البيت الابيض. كذلك نقلت مختصر الدراسة التي وضعها كينيث والتز، الخبير السياسي في «مؤسسة دراسات الحرب والسلام» والمحاضر في جامعة كولومبيا. وتشير الدراسة الى اهمية الشعور بالتفوق العسكري الذي تميزت به اسرائيل طوال مدة تزيد على الاربعين سنة. ومع ان ترسانتها النووية تقدر بأكثر من مئتي رأس، إلا انها لم تسمح لصدام حسين ولا لبشار الاسد بإنتاج قنبلة واحدة. ففي عام 1981 ضربت مفاعل العراق. وفي 2007 ضربت المفاعل السوري. وهي حالياً تهدد بضرب المفاعلات النووية الايرانية. في محصلة الدراسة، يخلص الخبير والتز الى القول: «ان امتلاك القنبلة الذرية من جانب دوليتن متنازعتين مثل باكستان والهند، ساعد على توقيع اتفاقية السلام عام 1991. وقد اعترفت الهند بأن الشعور بعدم الاستقرار الذي تنازعها، كان السبب في اندفاعها للحصول على سلاح الردع النووي. وهذا ما جعل ميزان الرعب ينحسر أمام ميزان التسوية السلمية. بل هذا ما قد يحصل بين اسرائيل وإيران بعدما تستقوي طهران بالقنبلة الذرية، او ما يوصف «بالقنبلة» الشيعية. السؤال الذي يطرح في هذا السياق يتعلق بالعداوات التي خلقتها الثورة الايرانية، على اعتبار ان العدو الاول قد يكون اسرائيل. ولكن تهديداتها وصلت الى دول الخليج العربي، وتجاوزتها لتصل الى الدول الاوروبية. والنتيجة ستؤدي الى ازدهار صناعة المفاعلات النووية التي طالبت بها مصر والسعودية ودولة الامارات وقطر والاردن. ويستخلص من هذه الدراسة ان اسرائيل استخدمت ترسانتها النووية للحؤول دون حصول الفلسطينيين على دولة مستقلة. ويستعمل نتانياهو حالياً اسلوب التهديد والوعيد لأن ايران تطالب بتحرير القدس. وعليه تتوقع الادارة الاميركية ان يكون انتشار المصانع النووية في المنطقة العربية، عاملاً مؤثراً لتسريع قيام الدولة الفلسطينية. بل تذهب بعض الصحف الاميركية، الى ابعد من هذا بكثير لتذكر بلقاء العدوين اللدودين ماوتسي تونغ وريتشارد نيكسون، في عز المعركة الانتخابية عام 1972. يومها، قال نيكسون قبل ان يتوجه الى بكين: «لا احد في العالم يدرك بعد المسافة التي تفصل تصورهم عن تصورنا... ومصالحهم عن مصالحنا. كذلك لا احد يعلم كم هو ضروري ان تتصالح هاتان الدولتان، وخصوصاً في الشؤون المتعلقة بالسلاح النووي». وعقب تلك الزيارة، فاز نيكسون في انتخابات الرئاسة. بعد تراجع وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك، عن تأييد صديقه رئيس الوزراء في موقفه المتصلب تجاه اوباما، اضطر نتانياهو الى تخفيف لهجته حيال المرشح الديموقراطي. واكتفى بالمطلب الذي يضع خطوطاً حمراء لإيران تكون بمثابة الانذار الذي ينبئ بتوقيت مشاركة الولاياتالمتحدة في الهجوم. ومن اجل دعم هذا المطلب ستقوم القوات البحرية الاميركية المنتشرة في مياه الخليج، بمناورة ضخمة آخر هذا الشهر، تشترك فيها 25 دولة. وتضم هذه المناورة اضخم كاسحات ألغام في العالم. وينحصر هدفها في تنظيف مضيق هرمز من الالغام التي تزعم ايران انها زرعتها لتعطيل عمل الملاحة في اهم مضيق يشهد عبور مئات الناقلات العملاقة كل يوم. ومن اجل بناء قوة رادعة للصواريخ الموجهة من ايران، قامت القوات الاميركية بتثبيت رادارات خاصة بالغة الحساسية من طراز «اكس – باند» في كل من قطر وتركيا، بحيث تعمل على تفجير الصواريخ قبل وصولها الى اهدافها. من جهة اخرى، امتنعت ادارة اوباما عن المشاركة في المناورات الحربية التي يقوم بها جيش الدفاع الاسرائيلي، الشهر المقبل، وخفضت حجم جنودها الى الثلث عن حجم العدد السابق. كل هذا، لإبلاغ نتانياهو ان المعركة الانتخابية المقبلة ستكون على ارض الشرق الاوسط وليس على ارض الولاياتالمتحدة. يجزم خبراء الذرة في فيينا ان المفاعلات النووية الايرانية ستعلن عن انتاج قنبلة ذرية قبل انهيار النظام الحليف في سورية. ومرد هذا الاستعجال الى قناعة الرئيس محمود احمدي نجاد، بأن ثورة المعارضة في ايران ستبدأ عقب اعلان نهاية خمسين سنة من حكم الأسدين. وبسبب وحدة المسارين – الايراني – السوري – ووحدة المصيرين، فإن عدوى الحرب الاهلية قد تنتقل سريعاً الى طهران. وعليه يتهيأ النظام الايراني لإعلان قدرته على انتاج قنبلة ذرية، ولكنه سيفعل مثل اليابان، أي انه يحتفظ بتلك الاهلية لنفسه بانتظار التوقيت المناسب لتفجير القنبلة النووية الشيعية! * كاتب وصحافي لبناني