هل يتعذر عليكم استيعاب أفواج الرسائل الموجهة إلى بريدكم الإلكتروني؟ وهل تواجهون صعوبة في معالجة هذا السيل من المعلومات وترتيبه وفق الأولوية؟ أنتم بلا شك تعانون إفراطاً معلوماتياً، شأنكم في ذلك شأن غالبية الموظفين. يعني مصطلح «الإفراط المعلوماتي» (Information Overload) «المرض الناجم عن الثقل المعلوماتي الزائد»، كما توضح كارولين سوفاغول ريالان، الأستاذة المحاضرة في معهد العلوم السياسية في باريس. والسبب الأساس هو البريد الإلكتروني الذي بات أداة العمل والتواصل الرئيسة في الشركات. وتقول الباحثة إنها «معاناة حقيقية تضع الأشخاص في حال دائمة من الخوف والقلق والانزعاج، إذ يتعذر عليهم تتبع هذا السيل، ما يثير شعوراً بالعجز ويشكل ضغوطاً». ويلفت تييري فونان، الباحث في المركز الوطني للأبحاث العلمية، إلى أن «الطارئ يلي الطارئ... ففور تلقينا رسالة، ينبغي أن نرد عليها، وإلا اتصل بنا المرسل سائلاً: ألم تتلقَّ رسالتي؟ ثم تعاود الاطلاع على البريد الإلكتروني لتفقّد أي جديد... وهذه الدوامة تدفع إلى الإدمان». واعتبر 80 في المئة من الأشخاص المشمولين في دراسة فرنسية عن الضغوط في العمل، أن الأدوات الإلكترونية تزيد المعلومات الواجب معالجتها وتفرض مهلاً قصيرة للرد عليها.ويوضح فونان أن «المدير ينقطع عن عمله، كل دقيقتين إلى 8 دقائق»، مضيفاً أن الشركات تزوّد موظفيها المزيد من وسائل الاتصال، من قبيل الهواتف الذكية، لكنها تطلق العنان للمعلومات من دون حسيب أو رقيب، «ولا بد من تحديد قواعد» للسيطرة على الوضع. وكان المرصد الفرنسي للمسؤولية المجتمعية للشركات، نشر العام الماضي ميثاقاً يدعو فيه الشركات إلى التحكم بالبريد الإلكتروني الذي «قد يتحول أداة مدمرة». وأدرك بعض الشركات المشكلة، فنصح مصرف «سوسييته جنرال» مثلاً، بتخاطب الموظفين وجهاً لوجه بدلاً من اعتماد الرسائل الإلكترونية. أما الفرع الفرنسي لشركة «كانون»، فيدعو موظفيه ال1800 إلى تخصيص يوم كل ثلاثة أشهر يمتنعون فيه عن تبادل الرسائل ويركزون على التخاطب. وأفاد المرصد الفرنسي بأن 56 في المئة من المستخدمين يخصّصون أكثر من ساعتين في اليوم لبريدهم الإلكتروني، ويتلقى 38 في المئة منهم أكثر من 100 رسالة في اليوم. وأقرّ 65 في المئة من المستخدمين بأنهم يطّلعون على بريدهم الإلكتروني كل ساعة، لكنهم في الواقع يفتحونه خلال مهلة أقصر قد تصل إلى خمس دقائق في بعض الأحيان. ويقول دومينيك ولتون مدير معهد العلوم والاتصالات التابع للمركز الوطني للأبحاث: «اليوم، ينبغي اتخاذ كل القرارات خلال ربع ساعة. فالشركات، كالسياسيين، تضخّم احتياجاتها، وهذا خطر جداً».