يسأل والده صباحاً: «كيف تزوجت؟» بعد أن حرمته فوضى الأرقام في عقله من النوم. قضى ليلته يحسب تكاليف مشروعه، مهر وذهب وهدايا وحفلة زواج في فندق وإيجار منزل وأثاث، وتذكر أيضاً شهر العسل، كيف نسيه؟ فمن تلك التي تقبل هذه الأيام بأن تتزوج من دون شهر عسل؟ أرقه الناتج من جمع التكاليف، كيف سيحصل على كل هذا المال؟ وإن استطاع؛ فإنه سيبدأ حياته الجديدة من الصفر! تنهد قبل أن يتذكر أنه محظوظ لكونه لم يقترض حتى الآن ككثيرين من أنداده. حاول التنازل عن أقل المتطلبات، فبدلاً من إقامة فرحه في فندق فاخر، سيقيمه في صالة متواضعة، فالفرق في التكلفة «ضخم»، لكن رد فعل خطيبته في آخر مرة لمح فيها إلى ذلك لم يكن مبشراً. الذهب أيضاً أصبح باهظاً، فالمبالغ التي كانت تدفع قبل نحو ست أو سبع سنوات قيمة ذهب للعروس، باتت مع وصول أسعار الذهب إلى مستويات خيالية لا تأتي سوى بعقد وسوار لا يكادان يظهران على معصمها وجيدها. يعود ليسأل والده: «كيف تزوجت؟»، وقبل أن يجيبه والده: يستدرك: «هل أنهكك الزواج مادياً؟». يقول الأب: «كانت الحياة بسيطة. بلا تعقيدات. كانت النظرة للزواج مختلفة، لم تخلب البهرجة والمظاهر لب المجتمع حينها». ويضيف: «تزوجت أنا ووالدتك في صالة بسيطة. المهر لم يكن مبالغاً فيه. السكن كان رخيصاً، وكانت المرأة في ذلك الوقت تنتظر عريسها بفارغ الصبر». لم تساعد الإجابة المركزة الابن بقدر ما بعثت في نفسه حسرة، ما لبث أن أهملها، عندما غاص في التفكير بالأسباب وراء هذا التغير الهائل في أسلوب الحياة بين جيلين متتابعين، وللمرة الأولى في حياته تمنى لو أنه من الجيل السابق. وما ينهك الشبان اليوم ليس تلك التكاليف الباهظة للاقتران بشريكة حياة، لكن هذه التقاليد التي تحول مشروع الزواج إلى «لعبة قمار» أو «رمية نرد» لا تعرف نتيجتها إلا بعد أن تسقط الحيلة. فالعادات والتقاليد التي تقيد الشاب، وتمنعه من التعرف إلى شريكة الحياة قبل عقد القران والإعلان (حفلة الزواج) هي «الكابوس الأكبر» بالنسبة إليه، ففي السعودية مثلاً هناك من يرى عروسه للمرة الأولى في «الدخلة»، وهناك من يسمح له ب «رؤية شرعية خاطفة»، دقيقة أو دقيقتان لا أكثر تحددان مستقبل الشاب والشابة بحجة «العيب» و «الحرام»! أما المتحررون من العادات والتقاليد - وهم ليسوا كثراً – فيسمحون للعريس بالتحدث عبر الهاتف مع عروسه، في الفترة بين «عقد القران» و «الفرح»، وكم يعتبر هذا العريس محظوظاً بين أقرانه. والمحبطون من تجاربهم الزوجية في السعودية، ليسوا قلة، لكنهم ينقسمون بين من يملك الشجاعة - وأحياناً «الحماقة» - للاعتراف بفشل تجربته، بإعلان الطلاق، ومن يمنعه مانع من الاعتراف، فيستمر في حياة زوجية قسرية، بلا لون أو طعم، سلبياتها أكبر من إيجابياتها، لتكون النتيجة طلاقاً مبكراً أو عذاباً متأخراً. ليست العادات والتقاليد وحدها ما يكدر خاطر الشاب المتزوج، فالتضخم الاقتصادي الذي يعيشه العالم، وفروعه وأزماته، عاثت في مخططات المقبلين على الزواج. أسعار الذهب مرتفعة، وأسعار السيارات مرتفعة، وقيمة العملة منخفضة، وقوتها الشرائية عموماً انخفضت إلى نحو النصف، والعقار بلغ ما لم يبلغ من قبل، وبات إيجاد شقة للإيجار تلبي الطموح بسعر معقول، حدث قد يضم إلى «المستحيلات الثلاث»، إذ قفزت أسعار العقارات في الأعوام الخمسة الماضية نحو 35 في المئة. باختصار لم يعد الزواج بالنسبة للشاب خطوة من خطوات الحياة، ينجزها ويتجاوزها إلى طموح جديد، وإنما باتت مشروع حياة بحد ذاته أو في حالات أكثر سوءاً عثرة من عثرات الحياة.