صاغت وزيرة الخارجية الأميركية، أسوة بمن سبقها في هذا المنصب، نظرية «القوة الذكية»، محرفة نظرية الأكاديمي العسكري جوزيف ناي «القوة الناعمة». مفاد النظرية بأن على الولاياتالمتحدة استخدام كل الأساليب الديبلوماسية والسياسية والإعلامية والعسكرية والاستخبارية (بالتعاون مع الأصدقاء والحلفاء) لتحقيق أهدافها (مصالحها). هذه الرؤية تنسجم تماماً مع سياسة الرئيس باراك أوباما الذي انسحب من العراق وقرر الانسحاب من أفغانستان. لكنه في الوقت ذاته وافق على ضرب ليبيا، وأغدق على إسرائيل أموالاً وأسلحة كي تتفوق على كل أعدائها (أين هم؟). وليس مستبعداً أن يوافقها على ضرب إيران، حين تتهيأ الظروف الموضوعية في الشرق الأوسط. أو حين يتم إنهاك سورية وتحييدها، أو تقسيمها. الواقع أن نظرية كلينتون في «القوة الذكية» لا تختلف كثيراً عن نظرية كوندوليزا رايس في «الفوضى الخلاقة» التي كانت منسجمة تماماً مع تفكير المحافظين الجدد وهوس جورج بوش الابن بتغيير العالم بالقوة السياسية والديبلوماسية، حيث امكن، وبالقوة العسكرية إذا تعذر ذلك. الحقيقة أن السياسة الخارجية الأميركية لا تختلف بين الجمهوريين والديموقراطيين، عنصرية الحزبين واحدة، يقسمان العالم إلى متخلف يحتاج إلى تعلم القيم الأميركية، ومتقدم في حاجة إلى زعامة واشنطن لتقود خطاه. ليس أخبر من العرب بسياسة الحزبين الأميركيين الخارجية والإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض، فالمزاودة بينهما على حب إسرائيل واحتضانها تبدأ قبل الانتخابات الرئاسية وتتصاعد بعد الوصول إلى البيت الأبيض والاستقرار فيه، والبدء في خدمة المشروع الصهيوني. أعطت كلينتون مثالاً على تطبيق نظريتها، قالت: «خلال العام الماضي، درّبت وزارة الخارجية حوالى سبعة آلاف موظف من أكثر من 60 بلداً على تطبيق القانون ومكافحة الإرهاب. ودعمنا، بالتعاون مع الأممالمتحدة ومنظمات مختلفة، بناء القدرات في اليمن وباكستان وبلدان أخرى تقع على الخطوط الأمامية. وإندونيسيا مثال جيد لجدوى هذا النوع من الشراكة. عندما قرَرت جاكرتا تشكيل فرقة النخبة لمكافحة الإرهاب، قدمت وزارة الخارجية إليها التدريب والمعدات. وتبادل خبراء من مكتب التحقيقات الفيديرالي (FBI) ووزارة العدل خبراتهم مع رجال الشرطة والمدّعين العامّين». إدارة جورج بوش كانت سباقة في تدريب موظفين ومواطنين عاديين، وعسكريين أيضاً، على الديموقراطية ومكافحة الإرهاب ودعم الصحافة «الحرة» وإنشاء مراكز أبحاث. مساعد كلينتون السابق جيفري فيلتمان أقر بصرف خمسمئة مليون دولار في لبنان على الإعلام (القوة الذكية) عندما كان سفيراً في بيروت في عهد بوش ورايس. نظرية كلينتون لا تضيف جديداً إلى توجهات السياسة الخارجية الأميركية. هي مجرد استعراض لقدرة الديموقراطيين على منافسة الجمهوريين في استتباع الأمم بذكاء أوباما بدلاً من تهور بوش. والطريف أن المحافظين الجدد ما زالوا مصرين على نهجهم ويأخذون على إدارة أوباما عدم الحسم في قضايا كثيرة، ومنها الحرب الدائرة في سورية. كتب منظر القضاء على فكرة العروبة ومروّج اجتثاث البعث في العراق وسورية فؤاد عجمي أن: «مشهد هيلاري كلينتون وهي ترقص بحماسة على حلبة الرقص في جنوب أفريقيا يفضح البلادة الأخلاقية لرئيسة الديبلوماسية الأميركية. تلك الصورة تُخبر سكّان مدينة حلب المحاصرة في سورية، الذين يتعرّضون للهجوم من نظام عديم الرحمة، كل ما يريدون معرفته عن قسوة السياسة الخارجية الأميركية». يتهم عجمي كلينتون ب «تسخيف» السياسة الخارجية الأميركية لأنها لا تتخذ مواقف حازمة. يستعجل ضرب سورية مثلما استعجل احتلال العراق. لا تعجبه كل المساعدات المالية والعينية «غير القاتلة» التي تقدمها واشنطن إلى المعارضة. نشر الديموقراطية لديه لا يحتمل التأجيل. ليس في قاموسه شيء اسمه تطور اجتماعي. والعرب لا يستحقون سوى القمع والاستتباع بالقوة. بين استخدام كلينتون «القوة الذكية» في مواجهة «الأغبياء» وتنظير عجمي للاستعجال في قتلهم قاسم مشترك اسمه العنصرية الأميركية.