أخيراً، وبعد طول انتظار بدأ «مرسي ميتر» العمل بعدما ظن البعض أن عطباً ما قد أصابه. سكان حي مصر الجديدة، حيث يقيم الرئيس محمد مرسي، إما في قصر «الاتحادية» أو في بيته في «التجمع الخامس»، يقسمون أن مرسي أنجز في 56 يوماً ما أنجزه الرئيس السابق حسني مبارك في 30 عاماً. حال من الضحك الهستيري ألمّت بالأستاذ يحيى الذي يسكن في المربع الذي كان معروفاً في عهد النظام السابق ب»المربع المنكوب» الذي يحيط ببيت الرئيس وتم إغلاقه على ساكنيه والتنكيد على زائريه والتعسير على عامليه بذريعة تأمين الرئيس. فقد قابل جاره الأستاذ حسين المقيم في إحدى العمارات في الجهة المقابلة ل «المربع المنكوب» والذي ظل طيلة العقود السابقة يسخر من الإجراءات الأمنية الخانقة التي يرزح تحتها جاره. فتح الأستاذ يحيى ذراعيه واحتضن جاره ضاحكاً دامعاً لفرط سعادته، قائلاً: «أخيراً جاء اليوم الذي تساوينا فيه! لم يعد مربعي وحده المنكوب، بل صار حي مصر الجديدة برمته منكوباً. المساواة في النكبة مواطنة». المشهد أول من أمس في شارع الميرغني حيث قصر «الاتحادية» عاد بسكان «مصر الجديدة» وروادها 19 شهراً إلى الوراء، وتحديداً عقب تنحي مبارك عن الحكم، وإغلاق قوات الجيش الشوارع المؤدية إلى القصر الرئاسي. وعلى رغم تطابق المشهد من الناحية الشكلية، فإن المشاعر والأحاسيس تقف على طرفي نقيض. كلا الساكنين على جانبي شارع الميرغني جمعتهما صورة واحدة على خلفية دبابة ظلت رابضة أمام القصر لأيام في شباط (فبراير) 2011. كلاهما كان ممسكاً بعلم مصر وملوحاً بعلامة النصر وراسماً على وجهه ابتسامة شوق ولهفة لغد جديد بعد ثورة التغيير. لكنهما حين وقفا يوم الجمعة في البقعة نفسها وعلى خلفية الأسوار الشائكة والحواجز الحديدية التي أحاطت بالقصر وأغلقت الشوارع الرئيسية والفرعية، لم يكن هناك وجود للأعلام ولا علامة النصر ولا حتى ابتسامة الغد المشرق. لم تكن هناك سوى ضحكات هستيرية وتعليقات ساخرة من «الغد المشرق» الذي لم يكتف باستمرار إغلاق «المربع المنكوب» بل حوّل المنطقة برمتها إلى «منطقة منكوبة». إلا أن «نكبة مصر الجديدة» الناجمة عن خوف شديد من التظاهرات والدعوات إلى الاعتصام أمام القصر الرئاسي أزاحت الستار عن حقائق عدة ظل المصريون يبحثون عنها طيلة الأسابيع الماضية. فوعود الرئيس مرسي التي وعد بتحقيقها خلال الايام المئة الأولى من فترة رئاسته، وأبرزها الأمن، أثارت العديد من التساؤلات بعد ما طال انتظار تحقيقها من دون جدوى. والمثير في الأمر أن «نكبة مصر الجديدة» دحضت الشك باليقين. آلاف مؤلفة من قوات الأمن تحيط بالقصر الرئاسي لتأمين الرئيس، وقواعد صارمة يتم تطبيقها على كل من يقترب راكباً أو مترجلاً. فالمرور ممنوع والدخول موقوف بأمر «البيه الضابط»، على حد قول «العسكري» الصغير. ولأن للحقيقة أوجهاً عدة، فإن التظاهرات الداعية إلى معارضة حكم «الإخوان» وتقنين وضع «الجماعة» تحولت في بعض القنوات الإعلامية إلى «حالة من التوحش الشعبي الذي يحدث عادة عقب الثورات» أو «معارضة قانونية ومحمودة وتجب حمايتها» أو «محاولات شريرة لإسقاط الشرعية». ومهما كانت دوافع الدعوات، يبقى الحال على ما هو عليه بالنسبة إلى الأستاذين المنكوبين يحيى وحسين. فكلاهما غير قادر على مغادرة المربع الآخذ في الاتساع إلا بشق الأنفس، وكلاهما محروم من طلب وجبة «دليفري» عبر الشارع، وكلاهما لم يطالب بإسقاط مبارك، ليس حباً فيه بقدر ما هو فقدان للأمل في التغيير، وكلاهما لم ينتخب مرسي، ليس كراهية له بقدر ما هو إيمان بأن «المربع المنكوب» سيبقى منكوباً. أما «مرسي ميتر» فهو ماض قدماً في القفز السريع، ولكن هناك شكوكاً في طريقة الحساب، إذ إن قفزة العداد تشير إلى تحقق وعود لم تكن ضمن الوعود ال64، بل هي وعود تتمحور حول تأمين الرئيس ومقار جماعة «الإخوان» والتوسع في حدود «المربع المنكوب».