إن العين لتدمع والقلب ينفطر من هول ما يحصل في سورية، هذه البلاد التي كانت منارة الإشعاع الحضاري إلى العالم، نشأت على أرضها ممالك وإمارات، وأنتجت حضارة كانت لها مظاهرها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، فعلى أرضها ظهرت أول أبجدية في العالم «أوغاريت»، وبواكير الزراعة، وسكنها الإنسان منذ العصر الحجري القديم. يقول أندريه بارو: «على كل إنسان متمدن أن يقول: إن لي وطنين؛ وطني الذي أعيش فيه وسورية». لقد شهدت سورية بواكير الحضارة الإنسانية، تألقت في زمن العموريين (الأموريين) الذين سكنوها خلال الألف الثالثة قبل الميلاد، وبنوا مملكة «إبلا» ومملكة «ماري»، وكذلك الفينيقيين الذين أسسوا مدينة «أوغاريت»، بينما كانت دمشق وحامات (حماه) من أشهر ممالك الآراميين. في القرن الخامس قبل الميلاد، سكنت منطقة جنوب سورية قبائل عربية عُرفت بالأنباط، وقد اتخذوا من البتراء (الرقيم) عاصمة لهم، وقد ازدهرت تدمر بعد سقوط البتراء، على يد الرومان، ومن أشهر ملوكها «أذينة» وزوجته «زنوبيا». أما في العصر الأموي فأصبحت دمشق عاصمة الخلافة في عهد عبدالملك بن مروان، الذي حاول إضفاء الصفة العربية للدولة وتأكيدها وذلك بوسائل عدة في مقدمها :تعريب الدواوين، والنقد، والطراز، ولقد اتبع عبدالملك سياسة تقوم على إيجاد توازن بين القبائل العربية من قيسيين ويمانيين بغية إزالة الخلافات، ولقد برهن عبدالملك بذلك على أنه رجل دولة لترفعه عن الخلافات معتبراً نفسه حكماً بين الرعية كلها. سورية كانت منذ القديم هي الحاجز في وجه الهجمات الغازية على المنطقة من مغول وصليبيين والروم البيزنطيين، إذ كانت تتكسر أطماع الغزاة على صخرة صمود سورية وشعبها. هذه الرقعة الجغرافية التي كانت مهد الحضارة، ومهد الديانات السماوية الثلاث التي أنجبت الكثير من الرجال، أمثال: عبدالرحمن الكواكبي، والبطل الشهيد يوسف العظمة، الذي خاض معركة «ميسلون» ضد الاحتلال الفرنسي، وكذلك الأكراد، وعلى رأسهم عائلة الحاجو، وقبيلة شمر، وأدهم خنجر، وإبراهيم هنانو، وسلطان الأطرش، قائد الثورة السورية الكبرى، ولم تهدأ سورية دقيقة واحدة حتى طرد ثوارها الاستعمار الفرنسي من أرضها، فكانت سورية أول دولة عربية تنال استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية. بعد الاحتلال كانت الحياة السياسية في سورية منفتحة ومتعددة، إذ كانت توجد اتجاهات وأحزاب سياسية عدة، أهمها: حزب الشعب السوري، الكتلة الوطنية، الحزب الشيوعي، عصبة العمل القومي، حركة نصرة العراق، حركة البعث العربي. وبعد الاستقلال عين تاج الدين الحسني رئيساً للجمهورية، وبعد وفاته جرت انتخابات جديدة ونزيهة، وتشكل مجلس نيابي، وانتخب شكري القوتلي رئيساً للجمهورية، وتألفت وزارة وطنية برئاسة سعد الله الجابري، وقد شاركت هذه الحكومة في تأسيس جامعة الدول العربية، وهيئة الأممالمتحدة، وكانت تسقط حكومات وتأتي حكومات جديدة محلها، إذ كان يترأسها شخصيات وطنية بارزة، منها خالد العظم، ومعروف الدواليبي، وناظم القدسي، وفارس الخوري. ما جعلني أطيل في سرد تاريخ سورية، هو شدة الألم الذي يعتصر قلبي، لما يحصل في سورية اليوم من دمار وقتل ووطأة وقسوة الجرائم المرتكبة بحق هذا الشعب النبيل، الذي يملك كل هذا التاريخ المشرف الناصع البياض، فإلى أين تتجه الأوضاع في سورية، هذه الأم الحنونة لكل عربي؟ هل نحن بصدد عراق جديد، سائرون إلى حرب أهلية وطائفية مقيتة، وعلى حساب دماء السوريين الأبرياء من أطفال وشيوخ ونساء ودمارها، وهنا لا يسعني إلا أن أقول: الله يحمي سورية وشعبها؟ [email protected]