في حين كانت غزة تغرق في الظلام الدامس، إلا من صواريخ قاتلة، أو قنابل إنارة لقصف منزل أو مسجد أو مدرسة، كانت الشابة الفلسطينية فرح بكر (16 سنة)، ذات البشرة الفاتحة والعيون الملونة والشعر المتموج تحاول نقل ما يحصل بطريقتها الخاصة إلى العالم. واعتمدت فرح على «تويتر» ولغتها الإنكليزية لتتحدث عن قضايا إنسانية أكثر من الرصد الإخباري، وباتت تغريداتها مثار جذب للكثيرين، مسجلة أرقاماً قياسية في نسبة المتابعين لصفحتها. وكانت حكاية فرح بكر التي تستعد لمحطتها الأخيرة على مقاعد الدراسة الثانوية، وتنتظر عاماً دراسياً يترنح تحت وطأة القنابل في غزة، وتحلم بدراسة الحقوق، مع «التغريد» عبر «تويتر»، بدأت خلال العدوان الإسرائيلي الأول على غزة قبل عامين، وكانت حينها في سن الرابعة عشرة. المختلف في تغريدات بكر اليوم أنها لا تتحدث عن قصف هنا، أو سقوط شهداء هناك، أو إطلاق صواريخ، أو غير ذلك، بل إنها واكبت الحرب من أولها، ورصدت يومياتها الخاصة من خلال تغريدات على حسابها في موقع «تويتر»، حتى إن الصور ومقاطع الفيديو التي تنشرها بين فترة وأخرى، منذ اليوم الأول للعدوان تكون التقطتها بهاتفها النقال من شرفة المنزل، أو أحد نوافذه. «لا يمكنني أن أرى الناس تموت ولا أفعل شيئاً»، تقول فرح قبل أن تتابع: «لذلك قررت أن أكتب على تويتر كل ما يمكن كتابته. أنا أوثق الحرب بشكل مختلف، وعلى طريقتي، ومن خلال يوميات أعيشها، كوني واحدة ممن يعانون هذه اليوميات الموجعة». وعبرت فرح عن سعادتها بنجاح مهمتها في تغيير قناعات الكثيرين في مختلف أنحاء العالم، إذ ارتفع عدد المتابعين من 800 شخص إلى 208 آلاف شخص، معترفة بأنها لم تكن تتوقع الوصول إلى هذا العدد من المتابعين، ومن مختلف دول العالم، خصوصاً أن العدد في ارتفاع يومي مع تواصل الحرب على غزة. وتعتبر الشابة أن أكثر ما يثلج صدرها أنها استطاعت فضح جرائم الاحتلال أمام عدد كبير من مستخدمي «تويتر»، وكانوا لا يعرفون الكثير عما يحدث، أو أنهم من مؤيدي إسرائيل، بل أن بعضهم كان يصف الفلسطينيين بالإرهابيين، وهو ما تغير حين علموا بحقيقة الأمور، حتى بدأت تصل يومياً عشرات وأحياناً مئات رسائل التأييد لغزة وأهلها في مواجهة العدوان. وأشارت فرح إلى أنها اختارت الكتابة بالإنكليزية عن قصد، وذلك في محاولة منها لتغيير الصورة النمطية السائدة لدى الكثير من الغربيين المتأثرين بالإعلام الإسرائيلي أو الإعلام الغربي المؤيد لإسرائيل. فالعرب في غالبيتهم، وبغض النظر عن مواقفهم، يعرفون حقيقة ما يحدث... «ما سعيت له هو أن أوصل رسالة أهل غزة إلى العالم الغربي، وبالفعل أكثر المتابعين لصفحتي على تويتر هم من الأجانب» بحسب ما تقول. وتتابع: «أعتقد أن استخدام اللغة الإنكليزية ساهم في إيصال الرسائل إلى متابعي توتير في أميركا وأوروبا ودول غربية عدة أسرع مما توقعت». وتذكرت بكر ليلة التاسع والعشرين من تموز (يوليو) الماضي، ووصفتها بالليلة الأصعب التي تشهدها في حياتها. فلا كهرباء، ولا شيء يضيء سماء غزة إلا قنابل الإنارة التي تسبق إطلاق الصواريخ. «كان القصف عنيفاً للغاية، وحاولت قدر الإمكان توثيق هذه الليلة، ونقل مشاعري، وما يحدث في محيط منزلنا، وفي مجمل القطاع» تقول، موثقة حكايات قرابة خمسين يوماً، ولحظات تتأرجح ما بين الحياة والموت في غزة، بلغة سلسلة، وإنسانية، أسرت قلوب كل من تابعها، ونصح بمتابعة تغريداتها، حتى بات البعض يطلق عليها لقب «نجمة تويتر».