بحلول عيد الفطر، يبدو آلاف الأطفال العراقيين، في المدن الصغيرة، مجبرين على قضاء عطلة العيد في بساتين وساحات يقع بعضها قرب مكبات للنفايات، في ظل غياب مراكز الترفيه التقليدية. وخلال الأيام التي سبقت حلول العيد أخذ الأطفال يبحثون عن ملاذ للتعبير عن فرحهم، فيما اضطرت أسرهم إلى اصطحابهم إلى مناطق ترفيهية بدائية تتشكل في صورة موقتة مع كل مناسبة. ويقع بعض هذه المناطق قرب مكبات للنفايات، أو تتحول مساحات العيد المرتجلة ذاتها مكبّات للنفايات إثر إهمال السلطات المحلية لهذه المواقع باعتبارها تشكيلات عشوائية. ويتوجه آخرون إلى العاصمة التي تشهد اختناقات مرورية في الاعياد، تضطر خلالها السلطات إلى قطع الطرق أمام السيارات لكليومترات عدة من أجل تأمين الحماية للمحتفلين في بلاد تشهد أعمال عنف يومية منذ 2003. وعلى رغم مرور عشر سنوات على سقوط النظام السابق، إلا أن المسؤولين الجدد لم يبادروا إلى بناء مراكز ترفيهة، علماً أن ملايين الدولارات أنفقت على مشاريع أقل جدوى، بحسب مراقبين. ويعزو هؤلاء المراقبون سبب الإهمال الى انعدام الخبرة والكفاءة لدى العديد من المسؤولين، فضلاً عن الفساد الإداري في مؤسسات الدولة. حتى في العاصمة بغداد، حيث مناطق سياحية وترفيهة أنشئت منذ عقود، فإن أبرزها معطل تماماً، مثل مدينة الألعاب المغلقة منذ عشر سنوات، والجزيرة السياحية التي كانت قِبلة للسياحة ولم تفتح إلا جزئياً. وإذا كانت هذه حال العاصمة، فإن الحالة في الأقضية والنواحي تعدّ كابوساً حقيقياً بالنسبة إلى الكثير من العائلات التي تعاني انعدام الأمن. وكان الزعيم العراقي الراحل عبدالكريم قاسم، أنشأ حدائق ترفيهية في جميع النواحي والأقضية في البلاد، وصمد هذه الحدائث حتى فترة الحصار الاقتصادي الذي دفع ببعض الفقراء إلى سرقة أسيجتها وبيعها للحدادين. ويقول حسين كريم وهو موظف في مصرف ويسكن في قضاء العزيزية: «لا وسيلة للترفيه في منطقتنا إطلاقاً، وأطفالي محرومون وضجرون دائماً... اضطررت في العيد أن آخذهم إلى مدينة الكوت، على بعد 80 كيلومتراً، ليرفهوا قليلاً عن أنفسهم». وعلى رغم أنها المسافة ذاتها إلى بغداد، التي تضم مدينة ألعاب أكبر، لكن حسين يهرب من ازدحام السير الخانق. أما أحمد الجبوري، وهو من المناذرة التي تبعد خمسة كيلومترات عن النجف: فيقول: «ليس عندنا أي مكان للترفيه وليس في القضاء أي مدينة العاب، تقدّمنا بطلبات رسمية عدة، لكن من دون جدوى، وفي المناسبات والأعياد نقصد النجف للترفيه عن أطفالنا». ويرى عضو مجلس المحافظة هاشم الكرعاوي إن «سوء التخطيط والإدارة في الأقضية والنواحي هو السبب الأول في هذه المشكلة، خصوصاً عدم تخصيص مساحات لإنشاء مثل هذه المشاريع». ويضيف: «أما السبب الثاني فهو النقص الحاد في الخدمات في الأقضية والنواحي، لا سيما الكهرباء والمياه، ما يدفع المسؤولين والمخططين إلى إنفاق المخصصات المالية القليلة في سدّ هذه الحاجات، على حساب البنى الترفيهة». وفي كركوك (شمال بغداد) يلفت نائب المحافظ راكان سعيد إلى أن في المدينة حديقة في الجنوب وأخرى في الشمال شيدتا بعد العام 2003، موضحاً «إننا كإدارة نتعرض لضغوط كبيرة لتأمين الخدمات والماء والكهرباء والطرق والصحة والمدارس، فهذه أولويات لأن البنى التحتية مدمرة ومهملة». وترك النظام السابق المدن العراقية من دون خدمات أساسية، خصوصاً على مستوى الصرف الصحي، إذ لم تنشأ أي منظومة للصرف الصحي طوال 30 سنة من حكم صدام حسين. ويؤكد سعيد: «نفتقر إلى دراسة سياحية متكاملة وإلى رؤية تشمل الوضع الأمني والخدمي، والنزاع على الأراضي لا يعطي فرصة للاستثمار السياحي». ويشير إلى أن «توفر مواقع سياحية جاذبة يساهم في تعزيز المشتركات والتقارب والتفاهم والتعايش بين مكونات المدن». وفي مدينة الناصرية، كما في السماوة والديوانية، تكاد الأماكن السياحية والترفيهية تكون معدومة، على رغم ما تمتلكه من مواقع أثرية وسياحية. ويقول زياد محمد من سكان مدينة الناصرية: «كل ما لدينا في مركز المحافظة هو مدينة الألعاب التي عفا عليها الزمن، لكن لا خيار أمام المضطر».