لم تَحُلْ إصابة المصوّر الصحافي الفلسطيني أسامة السلوادي بعيار طائش خلال مسيرة مسلحة في رام الله قبل ست سنوات، دون إصراره على الإمساك بكاميرته... والتقاط صورة تلو أخرى وهو على كرسي متحرك. تعكس عدسة السلوادي حالات جمالية قلما اهتم بها غيره من المصورين المولعين بتصوير فلسطين «الحرب»، ليخرج بأربعة كتب مصوَّرة على نفقته الخاصة، هو الذي أقعدته رصاصات طائشة في «زمن الفلتان» بعدما أصيب بشلل في الجزء السفلي من جسده. كان آخرالكتب قبل أسابيع تحت عنوان «ملكات الحرير»، وانتصر فيه للتراث الفلسطيني، عبر تصوير فتيات بأثواب تقليدية تكاد تنقرض، وفي أماكن طبيعية تعكس جماليات فلسطين على صعيد الثوب والطبيعة والنساء. وكان كتابه «فلسطين... كيف الحال» حقق حضوراً لافتاً، لكونه يصور يوميات الفلسطينيين على مختلف الصعد، إضافة إلى توثيق وجوه فلسطينية عادية. ويشدد السلوادي على أنه سيواصل مشواره حتى يغيّر، عبر الكاميرا، الصورةَ النمطية السائدة عن الشعب الفلسطيني. ولعل هذا الجهد هو ما دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل أسابيع، إلى تقليده ميدالية الاستحقاق والتميز. ويرى السلوادي بعدسته الجوانبَ المهملة والمهمة في بلد يعيش تحت الاحتلال. ويقول: «حتى التراث المصوّر في فلسطين بات شبه مفقود، خصوصاً أن الأرشيف المصور قبل عام 1948 دُمّر، أو تُرك عرضة للنهب بسبب الاحتلال والعصابات الصهيونية، فيما فُقِد أرشيف السينما الفلسطينية في بيروت عام 1982، ولا أحد يعرف عنه شيئاً». ويضيف: «إسرائيل استخدمت الصور الفوتوغرافية لتسويق روايتها القائمة على أكذوبة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، متجاهلة الحياة المدنية والثقافية والفنية والأكاديمية في فلسطين قبل احتلالها عام 1948، وخصوصاً يافا، حاضرة الشرق في ذلك الزمن. ما أقوم به هو محاولة الرد على الرواية الإسرائيلية عبر توثيق الجذور الفلسطينية بطرق حديثة، وعبر الصورة، كمتخصص بما يمكن وصفه ب «التصوير الجمالي». أريد أن أقول إن «فلسطين أجمل»، و «فلسطين هي غير تلك التي يراها العالم... وكما يسوّقها من يريدون تشويهها». غطى المصوّر الشاب الكثير من الأحداث الصعبة ميدانياً، وأخطأه رصاص الاحتلال الإسرائيلي مرات عدة، لكنه أصيب برصاص فلسطيني بينما كان يمارس عمله من على شرفة مكتبه وسط رام الله، «فكان الحادث كارثياً ومفجعاً»، بحسب تعبير السلوادي، الذي يستغرب خروج مطلق النار من السجن قبل خروجه هو من المستشفى، وحلِّ القضية «عشائرياً» من دون رضاه، لافتاً إلى أن أي تحقيق في الجريمة لم يُفتح منذ ست سنوات. ويقول: «كان التحوّل بعد الإصابة قاسياً، لكنه كان دافعاً لي للاستمرار والتحدي، لأن خيار الركون لأي خيارات أخرى يعني الإحباط، وربما الموت». وكان السلوادي أسس عام 2004 وكالة «أبولو» للصور، بهدف كسر الاحتكار الأجنبي للصورة الفلسطينية، وتسويقها للعالم وفق ما يرتئيه القائمون على هذه الوكالات، وهو ما لا يصب غالباً في مصلحة الفلسطينيين، و «هي ربما كانت الوكالة الأولى في الوطن العربي التي توزع الصور الفلسطينية إلى العالم بأيدٍ فلسطينية وعربية، وذلك من باب حقّنا في تقديم صورنا إلى العالم بأيدينا. لكن المشروع يسير ببطء شديد، لأسباب مالية. هذه مشاريع يجب أن تقوم عليها دول، لكن ثمة تقصيراً من الجهات الرسمية المعنية في فلسطين». أما المشروع الآخر للسلوادي، الذي عمل مع وكالات أجنبية أكثر من 15 سنة، ولم يكتب له النجاح أيضاً، فكان مجلة «وميض»، وهي أول مجلة فلسطينية متخصصة بالتصوير، واستمرت ثلاث سنوات، قبل أن تتوقف لأسباب مالية أيضاً. وكانت حكاية السلوادي (39 عاماً)، وهو من بلدة سلواد قرب رام الله، مع التصوير بدأت حين كان يستعير كاميرا يملكها ابن عمه، ويزور البلدة كل صيف، قبل أن يشتري كاميرا خاصة به لتصوير أصدقائه والطبيعة في سلواد، قبل أن يعتمده سكان البلدة والبلدات المجاورة مصوِّراً للأفراح والمناسبات الخاصة، ليحترف بعدها التصوير، حيث عمل في عدد من الصحف الفلسطينية والعربية ووكالات الأنباء العالمية، مثل «فرانس برس» و «رويترز» و «غاما»... وغيرها.