أصدر القضاء الروسي أمس، حكماً بالسجن سنتين لثلاث مغنيات من فرقة «بوسي رايوت»، بعد إدانتهن بالشغب والتحريض على «الكراهية الدينية». وأثار الحكم جدلاً وانقساماً واسعين في المجتمع الروسي، وفيما اعتبرته المعارضة «سياسياً» وتعهدت تنظيم حملات احتجاج واسعة، رأى كهنة ومحافظون أرثوذكسيون أن المغنيات ارتكبن عملاً شنيعاً. وحسم القضاء أمس، جدلاً استمر ستة شهور منذ أعتقال الفتيات الثلاث في آذار (مارس) الماضي، بعدما أدّين أغنية في كاتدرائية روسية تضمنت كلماتها هجوماً على الرئيس فلاديمير بوتين وعلى بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية كيريل. وكانت كلفة الثواني الأربعين التي استغرقتها الأغنية قبل أن ينقض رجال امن على الفتيات ويطردوهن من الكاتدرائية في 21 شباط (فبراير) الماضي، باهظة للشابات اللواتي سيقضين سنتين خلف القضبان. وتحولت المحاكمة قضية رأي عام أشعلت السجالات في المجتمع الروسي وزادت من انقساماته، خصوصاً بين فريقين اعتبر أولهما أن القضية سياسية وطالب بتبرئة الفتيات وإطلاق سراحهن، فيما انتقد الآخر الاعتداء على مشاعر المتدينين من خلال إقحام الكنيسة في النشاط السياسي للمعارضين. وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز دراسات الرأي العام أن 57 في المئة من الروس تابعوا على مدى الشهور الماضية قضية «بوسي رايوت». وهذه مِن أعلى النسب، إذ لم يسبق أن انشغل نحو ثلثي المجتمع بمتابعة قضية أمام القضاء. لكن اللافت أن الانقسام تجلى بوضوح عندما تطرق السؤال إلى طبيعة الحكم الذي ينبغي إصداره في حق المغنيات، إذ دان 27 في المئة إقحام الكنيسة في النقاش السياسي، وأعربوا عن اقتناع بضرورة صدور حكم يدين الفتيات، في حين رأى أقل من 22 في المئة ضرورة تبرئتهن. وكانت الأغنية التي أثارت الزوبعة تضمنت فقرة تدعو «السيدة العذراء إلى تخليص روسيا من بوتين» وأخرى تتهم الكنيسة بالفساد. وقالت الفتيات، خلال المحاكمة، إنهن لم ينتقدن الدين المسيحي بل «مؤسسة شريكة في الفساد» في إشارة إلى البطريركية، لكن القاضية التي تلت حيثيات الحكم في ثلاث ساعات، أوردت خلالها كل شهادات الإثبات وملابسات القضية، رفضت قبول هذا التفسير ووجدت في تصرف فتيات الفرقة الفنية إهانة لمشاعر المتدينين وللكنيسة ومحاولة للتحريض وبث الفتنة وانتهاك السلم الاجتماعي. وتجاهلت القاضية تأكيد محامي الدفاع البعد السياسي للقضية، وقالت إنها لم تجد ما يثبت أن الأغنية تضمنت إشارة إلى أي شخصية سياسية. ووقفت الشابات الثلاث في قفص زجاجي وأيديهن مقيدة بالأصفاد وتبادلن الابتسامات أكثر من مرة خلال تلاوة حيثيات الحكم، خصوصاً عندما تلت القاضية مقاطع من أغنيتهن التي انتشرت في شكل واسع على شبكات التواصل الاجتماعي. وبالتزامن مع جلسة النطق بالحكم عاد التوتر إلى الشارع الروسي، إذ توافد آلاف المعارضين إلى محيط المحكمة، وعمد كثيرون من الشبان والفتيات إلى ارتداء أقنعة تشبه أقنعة الفرقة الغنائية ورددوا أغنياتها. وفرضت الأجهزة الأمنية طوقاً مشدداً حول المحكمة، وأغلقت الشارع المؤدي إليها بحواجز معدنية. وحاولت الشرطة تفريق المعتصمين ما أسفر عن مواجهات، اعتقل بعدها نحو 50 شخصاً بينهم المعارض البارز سيرغي اودالتسوف وبطل العالم السابق في الشطرنج غاري كاسباروف. وفور صدور الحكم دعا معارضون على شبكات التواصل الاجتماعي إلى تنظيم تظاهرات واعتصامات. واعتبر بعضهم أن هذه ثاني محاكمة سياسية تثير ضجة كبرى، وتُوجَه فيها أصابع اتهام إلى الرئيس الروسي بعد محاكمة ميخائيل خودوركوفسكي، رجل الأعمال المناهض لبوتين، والذي يقضي منذ العام 2004 حكماً بالسجن بتهم الفساد والاختلاس. إلى ذلك اعتبرت منظمات حقوقية الحكم على المغنيات قاسياً، وقالت ناطقة في مؤسسة «ميموريال» إنها كانت تأمل بصدور حكم مع وقف التنفيذ. وأفاد استطلاع أجراه مركز «ليفادا» الروسي، بأن شعبية بوتين تراجعت في شكل ملحوظ في الشهور الأخيرة، وازداد عدد المواطنين الذين يشكّون بقدرته على تغيير الوضع في البلاد.