في بلدة دارة عزة السورية، تحولت مدرسةٌ مركزاً للشرطة ومحكمة ومبنى موقتاً للبلدية يديرها مقاتلو المعارضة الذين يسعون الى إسقاط حكم الرئيس السوري بشار الأسد. وهذا جزء من إدارة جديدة يتولاها مقاتلو المعارضة بدأت تتكون في مناطق من البلاد تراجعت فيها سلطة النظام، فيما تحاول قوات الجيش السيطرة على مدن سورية الرئيسية، مثل حلب ودمشق وحمص وغيرها. وعلى الرغم من أن القوى الغربية مازالت تتساءل عمن سيحل محل النظام، وعلى الرغم من الانقسامات في صفوف المعارضة السورية في المنفى، فإن المقاتلين في بلدات مثل دارة عزة بدأوا يقدّمون حلولاً بأساليب حقيقية، وإن كانت مرتجلة في بعض الأحيان. في أحد الفصول، يَستجوب النقيب مالك عبد الهادي رجلاً متوسط العمر اعتقل عند نقطة تفتيش تابعة للمعارضة، للاشتباه في إتجاره بالدقيق (الطحين) في السوق السوداء التي ازدهرت في سورية خلال الصراع. وقال عبد الهادي للرجل، الذي عثر في شاحنته الصغيرة على 50 كيلوغراماً من الدقيق: «هذا آخر إنذار، واذا وجدناك تبيع أي دقيق خارج البلدة ستسجن». ودارة عزة، وهي بلدة يسكنها 50 ألفاً في ريف حلب، واحدةٌ من عدد من البلدات الريفية بشمال سورية، حيث مازال المواطنون يتمتعون بشكل من اشكال الحياة الطبيعية على الرغم من تراجع سلطة الدولة. في بعض الأحيان، يبدو دور عبد الهادي أقربَ الى رئيس بلدية منه إلى ضابط شرطة، فمن المهام التي أوكلها لنفسه مراقبةُ إمدادات الخبز، إذ يحثّ المخابز على تعديل إنتاجها وفقاً للاحتياجات. في حجرة مجاورة كان ابراهيم الحلو، وهو مأمور سجن سابق، يساعد سكاناً على ملء استمارات يفصِّلون فيها الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم، ويسجلون خسائرهم أملاً في الحصول على تعويض ذات يوم. لكن هم عبد الهادي الأساسي هو الحفاظ على النظام، وخلال زيارة قامت بها رويترز لمكتبه، كان يستمع لشهادة شاهد على وفاة شاب قتل فيما كان يحاول سرقة الحطب، الذي أصبح سلعة ذات قيمة كبيرة في ظل تناقص الوقود. وقال عبد الهادي، الذي كان يرتدي ملابس عسكرية وحذاء رياضياً وجلس على مكتب وضع عليه مسدسه إلى جانب عَلَم مقاتلي المعارضة: «نعمل على حفظ الأمن، وكأن الحكومة مازالت موجودة». في الخارج، يلعب الاطفال في الشوارع التي يقوم مقاتلو المعارضة حاملين بنادق كلاشنيكوف، بدوريات فيها. وقال مسلح يدعى أبو أحمد، وكان يحمل جهازَ اتصال لاسلكياً، بينما كان يلوح لحافلة تقل عائلات فرت من حلب، في إشارة إلى أنه يسمح لها بالمرور: «نفحص بطاقات هوية من لا نعرفهم وحسب». ونتيجة لنقص التمويل، يعتمد عبد الهادي على النوايا الطيبة للرجال الذين يخدمون في قوته التطوعية. وينتمي المقاتلون إلى الأغلبية السنية، يحركهم الحماس الثوري، ويرون أنهم ثاروا بعد عقود من القمع على أيدي اجهزة الدولة. ويقول سكان محليون إن الصعوبات والمعاناة التي نجمت عن الصراع قلصت الخلافات والصراعات الشخصية. لكن طوابير الخبز ونقص البنزين يثيران التوتر ويزيدان الحاجة الى مراقبة مقاتلي المعارضة للسوق السوداء وتأمين إمدادات الحبوب والوقود. ووفرت هجمات مقاتلي المعارضة على صومعة حكومية للقمح ومخازن وقود تابعة للجيش إمدادات جديدة. في دارة عزة، يلقى مقاتلو المعارضة ترحيباً بوصفهم محررين، ويتمتعون بدعم أوسع من الذي يتمتعون به في المراكز الحضرية الأغنى، مثل حلب ودمشق، وهما مدينتان حقق فيهما عدد اكبر من الناس استفادة اكبر من حكم الأسد. وقال يحيى الساكه، وهو عامل بمصنع يتقاضى أجراً بسيطاً: «اللصوص السابقون يختبئون الآن. لا أحد يجرؤ على استغلال الوضع في وجود مقاتلي المعارضة». ومعظم مقاتلي المعارضة من فقراء الريف، ويعبّرون عن شكاوى اقتصادية وسياسية من الاسد، ويتبنون نبرة طائفية، ويصورون أنفسهم على أنهم طبقة سنية دنيا وقعت ضحية. وقال عبدالله ادريس، وهو مقاتل معارض كان يحرس نقطة تفتيش قرب بلدة بنش: «حُرمت من حقوقي في كل شيء، في النوم والطعام والراتب وكل شيء». ورفرف علم مثبت في سيارة قريبة، ليشير الى انتماء صاحبها إلى الطائفة السنية. وقد تشكَّلَ عدد كبير من الكتائب انضم إليها شبان مسلحون فقراء، وقال العقيد خالد، الذي أنشأ كتيبة في بلدة خان شيخون: «إصرار بعض الكتائب الصغيرة على ألاّ تتحد او تنضم للجماعات القائمة ليس خيانة، لكنه يقسم صفوف مقاتلي المعارضة. يجب أن ينضموا الى الكتائب المنظمة بالفعل. سيقرب هذا النصرَ». وعلى الرغم من سعي مقاتلي المعارضة الى تنظيم البلدات، فإنهم مازالوا يواجهون تحدياً ملموساً هو تنظيم أنفسهم أولاً.