منذ أشهر وأصدقاء في المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى يتصلون بي ويسألون هل يذهبون الى لبنان لقضاء جزء من إجازة الصيف، وأردّ مشجعاً على الذهاب الى لبنان وحجتي أن القادرين على إثارة المشاكل في الحكومة، ولا سبب للقلق. لن أدخل في تفاصيل يعرفها القراء، وإنما أقول فقط إن المواطنين العرب الذين قدّموا محبتهم للبنان على أسباب القلق كوفئوا بالترحيل، أو التهجير، بشكل مهين، وامتلأ المطار بهم فيما هناك مَنْ يقطع الطريق الى المطار، أي أنه لا يكرم الزائر باستقباله، ويهينه مودعاً. كانت سيدة سعودية من أصدقاء أسرتي كلها هاتفتني لتسأل هل تذهب الى لبنان مع أطفالها وأمها. وقلت لها أن تذهب، وأنها في «حمايتي» من دون أن أقدِّر حجم هذا التعهد. وهي اتصلت بي بعد أن أمرت السعودية والكويت وقطر والإمارات والبحرين رعاياها بترك لبنان خشية الخطف، وبدت خائفة، فطريق المطار مغلق وهي لا تعرف كيف تصل اليه، وخطوط سفارة بلدها مشغولة باستمرار. اتصلت بالرئيس نجيب ميقاتي، وهو صديق قديم، ووجدته في مطار جدة على أهبّة السفر عائداً الى لبنان بعد المشاركة في القمة الإسلامية في مكة. وحكيت له ما حدث، فكان أن اتصل بالسيدة السعودية لطمأنتها، وأرسل اليها في اليوم التالي مساعدين نقلوها وأسرتها الى المطار. وهي اتصلت مساء بزوجتي لتقول لها إنها وصلت الى الرياض. بالأصالة عن نفسي والنيابة عن السيدة السعودية، أشكر دولة الرئيس علناً بعد أن «تكَّستُ» له شكرنا، وأزيد أن في لبنان رئيس جمهورية وطنياً معتدلاً، وأن رئيس الوزراء مثله، وهناك وزراء من مستوى عالٍ في القدرة وحُسن الأخلاق، ثم لا دولة. أقول للبنانيين: مبروك عليكم النظام السوري وصداقة ايران. دعم آيات الله أهم من الانتصار للشعب السوري، والنزق السياسي الايراني والعدوانية والأطماع الفارسية أهم من سيدة سعودية وإبنتها، أو أسرة كويتية، أو أصدقاء قطريين (أصدقائي القطريون انتهوا في المالديف ولندن وباريس). كانت في لبنان أحزاب سياسية، وعشائر حكم، وطوائف معروفة، ووصلنا الى وضع يسيطر فيه حزب واحد، هو «حزب الله»، على الحكومة اللبنانية. وفي حين أن الحزب هذا له شعبية لا تُنكر في صفوف الطائفة الشيعية، ورصيد أوسع كفصيل مقاومة في وجه اسرائيل، إلا أنه اختار أن يتحدى اللبنانيين الآخرين في «7 أيار» المشهور، ويرفع السلاح في بيروت لا ضد اسرائيل في الجنوب. مع ذلك بقيتُ أعتبر «حزب الله» جزءاً من مكونات لبنان، وله كل الحق أن يكون في الحكم أو المعارضة. ثم جاءت موجة الخطف الأخيرة والعنف، ونزوح العرب عن لبنان، وانتهى مصير البلد في أيدي مسلحين من عشائر معروفة تغامر بمستقبل الوطن دفاعاً عن مصالحها، وأكثرها غير شرعي. بعض الناس قال لي إنه لا يمكن أن تخرج عشائر كبيرة من مستوى آل المقداد أو زعيتر أو حميِّة عن «حزب الله»، وأن الحزب وراء الفوضى المسلحة الأخيرة بما يعكس دعمه النظام السوري، وتحالفه مع ايران. بعض آخر قال لي «فِلِتْ الملَقْ»، وهي عبارة لبنانية تعني أن «حزب الله» فقد السيطرة على العناصر المسلحة، فهذه تؤيد «حزب الله» لأن قضية المقاومة تُكسبها غطاء شريفاً، تواصل من تحته تجارتها الممنوعة في المخدرات وغيرها. وما حدث أخيراً أن مصالح المسلحين «الاقتصادية» تعرضت للخطر فهبّوا للدفاع عنها عبر مخطوف لهم أو أكثر، وأحياناً بوقاحة متناهية، فخطف عمال سوريين مساكين الى درجة أن يعملوا في «الضاحية» ثم اتهامهم بأنهم من «الجيش السوري الحر» تهمة مستحيلة ووقاحة وظلم. هل يعود لبنان دولة أو تتقاسمه عصابات مسلحة، لتوفر عذراً لاجتياح اسرائيلي آخر؟ لا أعرف المستقبل، ولكن أعرف أن مستوى الجريمة في لبنان هبط، فلم يحدث من قبل أن هُدِّدَ الزوار العرب، أو الضيوف وهم في بيتنا، ولا أفهم سياسة فرقاء يعتدون على أهلهم من لبنانيين آخرين وعرب، ثم لا يوجد مَنْ يردعهم. [email protected]