دخل لبنان وسورية وعلى نحو مفاجئ أمس، في دوامة عمليات فوضوية من الخطف والخطف المضاد، قام بها مسلحون من عائلة المقداد اللبنانية على خلفية خطف مجموعة تعلن انتماءها إلى «الجيش السوري الحر» شاباً لبنانياً من العائلة المذكورة اسمه حسان يقيم في ريف دمشق، بتهمة انتمائه ل «حزب الله». وإذ سبق للحزب أن نفى أي علاقة للشاب به، أكدت العائلة أمس أنه فار إلى سورية منذ أكثر من سنة و7 أشهر لأنه مطلوب لبنانياً بجرم مالي. وبقيت أعداد المخطوفين أمس مفتوحة، في ظل تفلت «غضب» آل المقداد من أي ضوابط ودخول جهات على الخط لأهداف أخرى أقلها «طلب الفدية والابتزاز». وتحدث آل المقداد عن 20 مخطوفاً سورياً لديهم، ثم عن 30 مخطوفاً، وأن بينهم نجل متمول سوري من آل الشماع، وإنهم جميعاً خطفوا على الأراضي اللبنانية وينتمون إلى «الجيش الحر»، غير أن محطة «الميادين» الفضائية بثت طوال النهار شريطاً لمخطوفين اثنين فقط لدى «الجناح العسكري لعشيرة المقداد»، ثم عادت العائلة لتعلن بعد الظهر عن خطف أحد الرعايا الأتراك ويدعى إيدن توفان (مواليد 1984 - خطف على طريق المطار بعد وصوله إلى بيروت) ووعدت ب «مفاجآت» أخرى إذا لم يطلق سراح ابنها حسان. وتوعد أحد المتكلمين باسمها بأن «تمتد عمليات الخطف إلى رعايا عرب وأجانب، وأن يصبح التفاوض عبر البعثة الدولية للصليب الأحمر لأن دولاً أخرى سيكون لها علاقة». وما فاقم من الوضع إعلان اللبناني محمد منصور من بلدة معروب قضاء صور أن ولده لؤي (23 سنة) فُقِد منذ الأسبوع الماضي في دمشق أثناء توجهه لمنزل عائلته. وأفاد الوالد بأن العملية تمت خلال قيام لؤي بشراء بعض الحاجيات من أحد المحال التجارية في شارع العباسيين. وأشار منصور إلى أنه تم الاتصال بكل الأجهزة الأمنية السورية وخصوصاً مخفر العباسيين في دمشق، ولا معلومات عن ولده حتى الآن. وناشد المسؤولين التحرك والمساعدة لكشف مصير ولده. غياب رسمي وغابت الأجهزة الأمنية والسياسية اللبنانية عن شاشات التلفزة التي انفرد آل المقداد ب «احتلالها» ساعات طويلة. ومع تقدم الوقت اختلط الحابل بالنابل وتحوّل مقر رابطة آل المقداد في محلة الرويس في ضاحية بيروت الجنوبية، إلى منبر لتصريحات تضامن مع العائلة من فاعليتها أولاً والنائب اللبناني غازي زعيتر بصفته «العشائرية»، من عمال سوريين زاروا مقر الرابطة برفقة عضو مجلس الشعب السوري محمد الشلاش ومن الناطق باسم أهالي المخطوفين ال11 في سورية، والذي أدلى بتصريحات اعتبرها «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى» أنها لا تمثل موقف المجلس. وتسببت حوادث الخطف بخوف في صفوف العمال والنازحين السوريين إلى لبنان، فتراجعت حركة العمال في الضاحية الجنوبية وفي مناطق إقامة النازحين. وتردد أن عائلات استبدلت سياراتها التي تحمل لوحات سورية بسيارات لبنانية مستأجرة. وكانت عمليات الخطف التي نفذها آل المقداد، أكدتها مصادر أمنية لبنانية ل «الحياة»، تركزت في ضاحية بيروت الجنوبية التي خطف منها ليل أول من أمس 4 سوريين، وجرى أمس توقيف سيارتي «فان» قريباً من تقاطع كنيسة مار مخايل في محلة الشياح - عين الرمانة واحتجاز من في داخلهما من سوريين وإطلاق بعضهم بعدما تأكد وفق تصريح حازم المقداد (شقيق حسان المقداد المخطوف) أنهم لا ينتمون إلى «الجيش الحر». ونفت المصادر الأمنية ذاتها أن تكون حالات خطف حصلت شمال لبنان (تحتضن آلاف النازحين) أو في منطقة الجبل، فيما نشطت اتصالات بين مسؤولين أمنيين من الحزب «التقدمي الاشتراكي» وحركة «أمل» و «حزب الله» لقطع الطريق على أي عملية خطف قد تحصل في منطقتي عاليه والشوف وحصل تجاوب مع هذه الاتصالات، وذلك تحسباً لأي تداعيات أمنية خطيرة. وإذ أكد حازم المقداد أن بين المحتجزين من السوريين ضباطاً من الجيش الحر وأحدهم جريح، نفت مصادر أمنية لبنانية خطف أي ضابط من «الجيش الحر» من أي مستشفى في طرابلس. وبثت محطة «الميادين» شريطاً قال المقداد إن صحافيي المحطة «حصلوا عليه دون غيرهم من المحطات لأنهم حضروا في الرابعة فجراً لمتابعة خبر الخطف». وفي الشريط شخص قال إنه يدعى «النقيب محمد» وإنه من درعا ومن «الجيش الحر» ويعمل من لبنان في مسائل التدريب والدعم بالسلاح، ويتلقى الأموال نقداً من شخص اسمه «عبد» وعلى صلة بالنائب اللبناني (كتلة «المستقبل») خالد الضاهر، وطلب من «الجيش الحر» إطلاق «المخطوفين الذين لديهم لأنه لا علاقة لهم بأي شيء». وقال المحتجز الآخر إنه من الكرك ويعمل معاوناً لمحمد. وظهر في الشريط أشخاص مدججون بالسلاح من دون أن تظهر وجوههم. وأكد أحدهم أنهم يمثلون «الجناح العسكري» لعائلة المقداد وأن حسان المخطوف لا علاقة له بأي شيء، «نحن نعرف مسلحينا وانتماءاتهم وهو ليس منهم ولن ندخل بالصراع السوري الداخلي وإنما نريد إطلاق حسان ولدى الخاطفين وثائق تثبت أن لا علاقة له بشيء»، مشيراً إلى أن «أهلنا مجروحون وعلى الجهات الدولية أن تأخذ احتياطاتها أيضاً». وإذ أصر والد حسان في تصريحاته الإعلامية على انعدام انتماء ابنه إلى «حزب الله»، أكد «أننا سنعامل المخطوفين لدينا كما سيعاملون حسان وتطور التحرك وفق تطور الأحداث». وكان تردد أن آل المقداد في درعا اتصلوا بأقاربهم في بيروت وأبلغوهم أن النائب الضاهر قادر على التدخل للإفراج عن حسان المقداد ما دفع إلى التركيز على الضاهر الذي نفى أن يكون له أي صلة ب «النقيب محمد» وما قاله. «الجيش الحر» وأجمعت التصريحات التلفزيونية التي أدلى بها معارضون سوريون كالمتحدث باسم «الجيش الحر» فهد المصري، على «تعدد الجماعات العسكرية المعارضة في سورية وتفرد كل منها في قراراته، ما يجعل البحث عن المقداد الذي ليس موجوداً لدى الجيش الحر مسألة صعبة يجرى متابعتها بجدية لأننا حريصون على العلاقة الجدية مع عشيرة المقداد وعلى حسن العلاقة اللبنانية - السورية»، ولم يستبعد أن «يكون النظام السوري على علاقة بعملية الخطف لتخريب العلاقة بين الشعبين». وأكد المصري أنه «تم تحديد المنطقة التي خطف منها المقداد في ريف دمشق والتركيز على التواصل مع الخاطفين لإطلاقه». أما عضو الأمانة العامة ل «المجلس الوطني السوري» جورج صبرا فقال تعليقاً على عمليات خطف للسوريين: «ننظر إلى لبنان على أنه ملجأ أخوي للمعارضين في سورية لكن من المؤلم أنه لم يعد كذلك، ما يشكل طعنة للعلاقات الأخوية الحقيقية، ولم نشهد مثلها خلال 30 سنة مضت». مهلة 48 ساعة وفي ضوء «التفاوض عبر الشاشات» بين الجانبين، رد حاتم المقداد على المعارضة السورية بإمهال الخاطفين 48 ساعة لإطلاق شقيقه حسان وحذر الخاطفين من أنهم «أوهن من بيت العنكبوت» وذكر بأن في لبنان مليوني سوري ونفى أية عمليات خطف في الضاحية، وقال: «لا علاقة لحزب الله بنا ونحن عشيرة نمتد من الشمال إلى الجنوب والبقاع»، وأضاف: «الناس قبل خطف حسان كانت تتعاطف مع المعارضة أما الآن فإنهم يعيدون النظر». وحذر المقداد من أن التصعيد سيطاول «النفط»، في إشارة إلى رعايا خليجيين في لبنان، وقال إنه «إذا نجحت الثورة السورية فلنا عندكم ثأر وهو يورث». وسارع أحد وجهاء العائلة غازي المقداد إلى مناشدة المسؤولين اللبنانين التحرك «لأننا لم نعد نستطيع ضبط الوضع طويلاً، ولتفتح قنوات الاتصال مع الخاطفين نريد تهدئة الوضع، ولا نريد أن يفلت منا». ثم طلب «من وسائل الإعلام وقف البث المباشر من رابطة آل المقداد لإفساح المجال أمام المفاوضات وتدخل العقلاء ووقف التجييش»، لكن البث لم يتوقف. وفي ضوء التطورات القائمة، اتخذت إجراءات أمنية مشددة في محيط سفارات المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا لدى لبنان. وتبين أن المتمول السوري والد المخطوف من آل الشماع سبق أن ارتبط اسمه بعملية خطف سابقة في لبنان لقاء فدية دفعت وأطلق سراحه. وأوردت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية أن السفارة التركية لدى لبنان باشرت اتصالات لتأمين الإفراج عن مواطنها المخطوف.