يحاجج الناس أصدقاءهم عن صحة هذه المعلومة أو تلك بجملة باتت تقليدية ويعتبرونها حاسمة: سمعتها من التلفزيون. التلفزيون في حالة كهذه مرجعية لها صدقيتها بسبب سطوة الإعلام عموماً، ولكن أيضاً بسبب قناعة الجميع بأننا في عصر إزدهار العلم ما يعني أن برامج التلفزيون تخضع لإشراف متخصصين في المواضيع التي تقدمها الشاشة الصغيرة. أما حين تحدث الخلافات حول هذه المعلومة أو تلك فسيسارع كثر للرَد على ذلك بعبارة لا تخلو هي الأخرى من الوجاهة العلمية: الحقائق نسبية. نسبية الحقائق تصبح على درجة عالية من الأهمية، بل لنقل أنها تتحوَل إلى سبب للإرباك خصوصاً حين يتعلَق الأمر بصحة البشر، ما ينفعهم وما يضرُهم، وتحديداً في المسألتين الأهم طعامهم ودوائهم. في برامج الفضائيات كلّها لا يستطيع المشاهد أن يحصل على معلومة نهائية عن أشياء لا تحصى ومنها، مثلاً، القهوة: هل تتسبب في مضاعفات مرضية تتعلق بالقلب والشرايين أم لا؟ هي أسئلة تعطينا برامج التلفزيون الصحيَة إجابات متناقضة عنها تجعل الحيرة تتزايد بدل أن تفضي إلى قرار. مع ذلك فالناس على اختلافهم يعشقون القهوة ويواظبون على شربها خصوصاً عند الصباح وفي أوقات السهر، وهم يفعلون ذلك أمام شاشات التلفزيون، بل ربما وهم يشاهدون تلك البرامج التلفزيونية الصحيَة ويستمعون لإرشادات ضيوفها من الأطباء المتخصصين وتحذيراتهم من الإكثار من القهوة. الأشياء كلُها نسبية، ولا أحد يشكّك في هذه القاعدة، لكننا مع ذلك نرى أن الأمر لا يتعلَق بالقهوة فحسب، بل نذهب أبعد من ذلك نحو الأطعمة والدواء: قال أحد الأطباء مرَة أن ترك «الميرمية» تغلي على النار يحوّلها إلى مادَة سامة، وقال طبيب آخر بعد أسابيع ما ينفي تلك المعلومة من أساسها، ومع ذلك فحيرة المشاهد أمام تناقض الطبيبين جعلت كثراً يبتعدون عن الميرمية «كي لا يناموا بين القبور ولا يشاهدوا أحلاماً مزعجة» كما يقال. الأشياء نسبية بالطبع، ومنها أيضاً هذه الكتابة التي تتساءل ولا تخلو من حيرة وإرتباك.