عندما اكتشف الطبيب الفرنسي الشهير (باستور) وقادته أبحاثه إلى إمكانية حفظ الطعام في علب معدنية تحفظها ضد البكتيريا والتعفن، لم يكن يعلم أن اكتشافه العظيم هذا سيمتد أثره ويصل إلى التلفزيون، ويصبح لدينا (برامج معلبة) أيضاً مثلما لدينا (أطعمة معلبة)!. فقنواتنا التلفزيونية في السنوات الأخيرة باتت تتسابق فيما بينها بشكل ملفت وبسرعة عالية تفوق سرعة المذنب هالي! لتقديم برامجها الحوارية المملة والمكررة مع سادة وحضرات الفنانين والفنانات التي أثبتت التجارب والدراسات أنها السبب الرئيسي لإقفال الرسيفر بكثرة ومشاهدة الأفلام الأمريكية أو النوم مبكراً!. برامج مثل (تاراتاتا) على قناة دبي أو (العراب) على mbc لم تتميز بشيء جديد لا على صعيد الضيوف الذين شاهدناهم ألف مرة ومرة، ولا بشكل الأسئلة الذي جاء تقليدياً جداً حتى أصبح المشاهد يعرف الإجابة مسبقاً قبل أن يتفوه بها الضيف الكريم، فالجمهور بات يعرف أن حضرة الفنان المحترم كان أشطر طالب في المدرسة، وأول قصة حب عاشها كانت مع بنت الجيران، وأنه كافح وناضل حتى وصل إلى ما وصل إليه إلخ.. إلخ.. أما (كلام نواعم) المستوحى فكرته من برنامج أمريكي، لم يستطع للأسف طوال هذه السنوات التي عرض فيها من تغيير جلده ليناسب الطبيعة الاستوائية والمناخ القاري لعقلية المشاهد العربي واستغرب فعلاً أنه لا يزال يعرض حتى الآن! فلازلت أذكر سؤالي قبل سنتين حين سألت: هل (كلام نواعم) يعرض هذه السنة؟ ولا زلت أسألكم قراءنا الكرام هل فعلاً مازال يعرض في سنة 8002؟!. أما البرامج الأخرى على قنوات (مش حتقدر تغمض عينيك) فقد أثبتت أنه لا فرق بين النجوم والفنانين فيها وبين وجبات المطاعم السريعة.. كلهم للاستهلاك السريع!. قد يقول القائل أن (الجمهور عايز كده)، لكنها جملة تحتوي على كثير من المغالطات، نعم قد يتابع الجمهور هذا البرنامج أو ذاك، لكن ليس لتميزه وجودته بل لملاحقة نجمهم المفضل، وسيظلون يلاحقونه على قنوات وبرامج أخرى. وهذا ما لا نريده، نحن باختصار نريد برنامج يشكل تجربة قائمة بذاتها يتميز بأسلوب جديد، ومقدم يملك كاريزما معينة وجاذبية وثقافة، وضيوفاً مناسبين للموضوع يتحدثون عن أمور معاصرة لا ضيوفاً يبكون على أطلال ماضيهم الذي كانوا فيه شطاراً وأحبوا بنت الجيران وناضلوا وكافحوا وقاتلوا وقتلوا! إلخ.. إلخ.. إلخ.