كثير من الأمهات يتركن أطفالهن أمام شاشة التلفزيون لساعات طويلة وهن مرتاحات لذلك التصرف طالماً أن الطفل يبدي هدوءاً نسبياً يريحها من الصراخ أو الطلبات اللامتناهية. وتبرر الأمهات ذلك التصرف بأنه يريحها من الإزعاج المستمر للطفل كما يعطيها فرصة جيدة لإنجاز مهامها المنزلية. ولكن هل فكرت الأم في عدد الساعات التي تترك فيها أطفالها أمام التلفزيون؟ وهل فكرت في تأثير المادة التلفزيونية على الأطفال ومدى تأثرهم بها ليس تربوياً وسلوكياً فقط بل نفسياً وجسدياً أيضاً؟ وهل تعلم الأمهات أن للصورة التلفزيونية تأثيرا خطيرا على الأطفال. وكشفت دراسة حديثة صادرة عن معهد "ميديا متري" الفرنسي حول مدى تأثر الأطفال بالصورة التلفزيونية عن أن الأطفال من سن أربع إلى عشر سنوات، يختزنون في أذهانهم صوراً من جهاز التلفزيون بما يعادل 131 دقيقة يوميا، وأن غالبية ما يشاهدونه لا يتناسب مع المرحلة العمرية التي يمر بها الطفل. وتقول أستاذة العلوم التربوية ماجي شاييه: جهاز التلفزيون ليس دائما بالجهاز السلبي للطفل. فهو يمنح الصغار الكثير من المعلومات والمعارف، فمثلا الطفل يتعلم الكثير من المفردات اللغوية والاختلافات الثقافية وبعض العلوم والجغرافيا من خلال برامج الأطفال التعليمية المبسطة. والمشكلة الحقيقية عند اختيار المادة التلفزيونية للأطفال أنه من الصعب جدا عمل تفرقة واضحة بين السلبي والإيجابي بشكل عام. وتابعت: لكن أهم السلبيات في مشاهدة التلفزيون تكمن في أن الأطفال لا يشاهدون هذه البرامج المتخصصة والموجهة لهم بل يشاهدون أيضا العديد من البرامج الأخرى مع الوالدين والأشقاء الأكبر أو مع المربية. ومن جهة أخرى أكد طبيب الأطفال ت. بيري برازلتون، على أن التلفزيون جهاز يسبب الكثير من الضغط على الطفل. فالصغير حينما يشاهد الصور ينصب كل تركيزه عليها وتشد انتباهه إلى حد كبير جدا، لذا يشعر بالتوتر. ويبدو الطفل وهو جالس أمام التلفزيون أنه في حالة استرخاء، ولكن الواقع أن هذا مظهر خارجي فقط، بينما أعصابه تكون متوترة، ويكون نظام القلب والأوعية الدموية في نشاطه الأقصى. والحقيقة أن السؤال الهام الذي يجب أن يطرح هو: ما هي أهمية جهاز التلفزيون بالنسبة للأطفال من عمر عام ونصف وحتى أربع سنوات. في هذه المرحلة السنية يتحمل الطفل من دون أن ندري تجارب تتخطى عمره، وحتى لو كانت جلساته أمام التلفزيون لمشاهدة برامج تتناسب مع عمره، فإن الجلسة والاسترخاء الدائم هو شيء سلبي بالنسبة لوزن الطفل وصحته النفسية والاجتماعية. وأشار المتخصص في سلوكيات الأطفال نيكولا ساديراك في حديثه إلى "الوطن" أن الصور بشكل عام تترك علامة في ذهن الأطفال، وهذا شيء صحي بالنسبة للصور الجيدة وضار جدا فيما يتعلق بالصور التي تتسم بالعنف أو أي سلوك سلبي آخر. أما بالنسبة للصور التي تحمل مشاهد قاسية أو مخيفة فهي تستحوذ عليه وينتج عنها خوف شديد بكل ما يصاحبها من كوابيس ومخاوف عقلانية. وكل ذلك ينعكس على سلوك الطفل ويحمله بمشاعر وأفعال عدوانية نتيجة محاولة استنساخ ما يشاهده الطفل. وبشكل عام يتوافق الأطباء النفسيون على ضرورة عدم جلوس الطفل أمام التلفزيون أكثر من نصف ساعة في اليوم حتى سن الثالثة أو الرابعة، لأن الضغوط التي يسببها التلفزيون تصيب جهاز الطفل العصبي غير المكتمل مباشرة ، لذلك لا يجب وضع الطفل أمام الجهاز حتى تنتهي الأم أو المربية من عمل شيء ما. وفي سن الخامسة يفضل ألا تزيد مدة جلوس الطفل أمام التلفزيون أكثر من ساعة وبرقابة من الأهل، ولا يصح أن يجلس مع الكبار لمشاهدة ما يشاهدونه. ومن جهة أخرى، يجب على أحد الوالدين محاولة تبسيط وشرح كيفية صنع الرسوم المتحركة، فهذا الحديث يساعد الطفل على فهم أن التلفزيون ليس بالجهاز السحري. ويؤكد ساديراك على شيئين هامين الأول: تجنب جلوس الطفل بحسب عمره أمام التلفزيون في ساعات ثابتة بشكل دائم لأن هذا يخلق نوعا من الإدمان. وبشكل عام يفضل مشاهدة التلفزيون في الصباح في وقت العطلات وبعد الظهر أثناء الدراسة، فهذا أفضل من مشاهدته في أوقات متأخرة في الليل و الثاني: هو أن الوقت لم يفت حتى وإن كان الصغير قد تعود على مشاهدة التلفزيون، فمع بعض التفاهم والحزم يمكن إصلاح النظام اليومي لأطفالنا.