طوال 53 عاماً، وسالم الهلابي يعيش بين عقارب الساعة الثلاثة ليضبط وقت الآخرين، حاملاً المفكات الصغيرة بيديه لإعادة الحياة في الساعات عند توقف نبضها، في محل لا تزيد مساحته عن مترين في متر واحد في قلب البلد جنوبي جدة، ويقصده الداني والقاصي باعتباره أقدم مصلح للوقت في جدة. وتتمحور حياته حول قصة ترتبط ب «عقارب» و «تروس» أسرت بحركتهما حياة الناس، إذ لا تكف الأنظار عن غض بصرها اتجاه «الساعة» حتى أصبحت كل الأعضاء أسيرة ورهينة لعقاربها، وتتحكم هذه العقارب بجدولة المواعيد وممارسة الأنشطة اليومية لتصبح الساعة الرفيق الذي لا يفارق معصم المرء، فبحركتها يقاس شبيه «الذهب» و «السيف»، لتنذر بعقاربها الثلاثة عن ثوانيها ودقائقها للناس كافة، وتعطي دروساً في الصبر بثقل حركتها للمنتظر، والاجتهاد بسرعتها للمتهاون والدقة والانضباط للعامل. وقد لا يعرف الناس أهمية معرفة الوقت إلا إذا توقف «نبض الساعة»، ففي «ساعتها» يسارعون إلى أهل الخبرة ل «يحيي نبضها»، ممن سبقتهم سمعتهم في مجال تصليح الساعات. ويوضح الهلابي ل «الحياة» أن بداية علاقته بالساعات انطلقت ببيعها قبل 53 عاماً، حتى تولد الحب بين الطرفين بحسب تعبيره، وأصبح تصليحها هواية ومتعة لا نظير لها، وهكذا أصبحت مهنته الأساسية لكسب لقمة العيش، إذ حصل على شهادات عدة في تصليح الساعات من أضخم شركات صناعة الساعات على يد خبراء سويسريين. ويقول الهلابي «بدأت أبيع بعض الساعات البسيطة على الناس حتى تعلمت تصليحها، وأصبحت هواية أسترزق منها لقمة العيش، وقد قمت بتطوير هذه الهواية من خلال الدورات التي تعلمتها، صحيح أن البدايات كانت صعبة بالنسبة لي حتى تمكنت، واستسهل الأمر من خلال الخبرة». واسترجع الهلابي تعامله مع الساعات القديمة الدارجة في ذلك الوقت كساعة «الجيب» الأوماكس، وساعات «الكوارتز»، وساعات «التعبئة» و «الأوتوماتيك»، والتي مازال بعض الأشخاص يحتفظ بها ويحرصون على تصليحها لديه. ورغم وقوع الساعات الثمينة بين يديه التي دفعت أصحابها لتصليحها لديه بسبب خبرته الطويلة في مجال التصليح، بيد أن قيمة الإصلاح لا تتجاوز مبلغ 200 ريال. ويؤكد أن الوقت الزمني لإصلاح الساعات لا يزيد عن نصف ساعة، إلا أن هناك ساعات قد تتطلب وقتاً أطول يصل إلى ساعتين.