لا يفكر صبحي مصطفى في العودة للعمل في الولاياتالمتحدة بعدما حقق حلمه ببناء منزله بين عشرات المنازل التي شيدها مغتربون آخرون من أبناء قريته. ويقول: «خرجت من قريتي وعشت ألم الغربة من أجل تحقيق هدف وحيد وهو بناء منزل جميل في قريتي، يؤويني وأولادي وأحفادي، ونجحت في ذلك ولن أعود إليها». بنى صبحي (60 سنة) دارته في المزرعة الشرقية القريبة، من رام الله في الضفة الغربية، وتبلغ مساحتها نحو 450 متراً مربعاً، مع ساحة واسعة أمامها يلعب فيها أحفاده، وهو منزل مختلف تماماً عن منازل أهل القرية التقليدية: «صحيح أن هناك نوعاً من التنافس بين المغتربين على بناء المنازل، لكنني فضّلت التنافس في ما أضعه داخل المنزل وليس خارجه». وفي داخل المنزل يبدو تأثر صبحي بالنمط الأميركي واضحاً، من الأثاث إلى غرف النوم والمطبخ: «أريده أن يكون مريحاً لأبنائي وأحفادي حين يأتون من أميركا لزيارتي». ويقول مشيراً إلى منازل مشابهة لمنزله في الحيّ: «هذا تكلفته أكثر من 400 ألف دولار، وذاك 600 ألف دولار، وهناك منزل وصلت تكلفته إلى نحو مليون، وكلها لمغتربين في الولاياتالمتحدة». أمضى صبحي 25 سنة في البيرو، انتقل بعدها إلى ميامي الأميركية ليمضي 10 سنوات، قبل أن يعود إلى القرية ابن 53 سنة. ويقدر عدد سكان قرية المزرعة الشرقية بنحو 12 ألف نسمة، خمسة آلاف منهم يعيشون في القرية فيما يتوزع الباقون على بلدان المهجر لا سيما أميركا. ويقول رافع حميدة، رئيس جمعية خيرية في القرية، إن 70 في المئة من أهلها يعيشون في الولاياتالمتحدة والبيرو والبرازيل، «وكل منهم يريد بناء منزل أجمل من الآخر». ضمين عوض (69 سنة)، رئيس الجمعية الإسلامية في البيرو وهو من المزرعة الشرقية أيضا، مغترب في البيرو منذ 44 سنة، ويفكر الآن في بناء منزل في القرية... «لكن مشاكل تواجهنا، منها أن الكثير من المغتربين فقدوا جنسيتهم الفلسطينية، ويسعون الآن لاستردادها، وبات هذا الأمر أهمّ من البيت». والحال أن آلاف الفلسطينيين يفقدون جنسيتهم سنوياً بسبب غيابهم سنوات عن الأراضي الفلسطينية، لكن الحكومة الفلسطينية سنّت قانوناً يعطي هؤلاء المغتربين حق تملّك العقارات، شرط موافقة الحكومة. وتمتاز الأبنية التي يشيدها مغتربون بالضخامة وبأعمدة حجرية عملاقة، فيكاد بعض هذه المنازل يشبه القصور. ويقول مستشار وزارة الحكم المحلي الفلسطينية محمد القاروط، إن لانتشار هذه المنازل الفخمة أبعاداً نفسية واجتماعية، «فالمغترب الذي انفصل سنوات عن مجتمعه، يعود اليوم للتصالح من خلال بناء شيء جميل ومميز، كما أن الفخامة والمبالغة قد تنمّان عن نواحٍ نفسية لدى المغترب أكثر من حاجته الفعلية إلى البناء». ويضيف القاروط، الذي أجرى أبحاثاً عن قانونية البناء في الأراضي الفلسطينية، أن بناء المنازل الفخمة في الأراضي الفلسطينية لم يتوقف طوال سنوات الاحتلال الإسرائيلي، مشيراً إلى مشاريع بناء «كانت تتعرض لمدّ وجزر بسبب الأوضاع الأمنية، لكنها لم تتوقف».