في سابقة اعتبرها ناشطون في مجال منظمات المجتمع المدني «خطيرة»، أصدرت الهيئة العامة العراقية للضرائب قراراً جديداً بشمول نظام المحاسبة الضريبية المنظمات الإنسانية، وفرض غرامات تأخير عليها منذ تشكيلها عام 2003. وينشط في العراق أكثر من سبعة آلاف منظمة غير حكومية، منها ألفان ثبت أنها وهمية ولم تحصل على أي إجازة رسمية، فيما تمكنت 865 منظمة من تنفيذ الشروط الصعبة المدرجة في قانون المنظمات لعام 2010. وحصلت «الحياة» على وثيقة حكومية صادرة عن هيئة الضرائب تشير إلى محاسبة المنظمات الإنسانية ضريبياً. وأوضحت مسؤولة «منظمة الأرامل والأيتام العراقية» (تعتبر من بين أنشط المؤسسات الخيرية)، سارة صلاح الدين في تصريح الى «الحياة»، أن عام 2003 «شهد ولادة منظمات مجتمع مدني كثيرة في العراق بهدف خدمة المجتمع والنهوض به، بتقديم برامج توعية وتدريب إلى جانب المساعدات الإنسانية». ولفتت إلى أن «عمل هذه المنظمات غير ربحي ومستقل وتحت مظلة القوانين والتشريعات العراقية التي حددت الإطار العام لعملها». وتفاجأت أن «تُطالب المنظمات بالمحاسبة الضريبية كالشركات، وفق مضمون الكتاب الصادر من الأمانة العامة لمجلس الوزراء - دائرة المنظمات غير الحكومية». واعتبرت أن الإجراء الجديد «مجحف وسابقة خطيرة»، ودعت إلى تداركه في حال «صدر من دون دراسة معمقة ومستوفية». وأكد مدير الدائرة القانونية لمنظمة «نساء عراقيات» سامي علي، أن منظمته «تمكنت من الحصول على منح دولية عبارة عن قروض تقدم للنساء اللواتي يُعِلْنَ الأسر لتأسيس مشروع يدرّ دخلاً، ونظمنا ورش تدريب لهن لتعليمهن مهناً كثيرة بينها الخياطة، وحصلنا على عقد من وزارة الدفاع العراقية لخياطة فرش النوم وأغطية وستائر، وطالبتنا الأخيرة ببراءة ذمة ضريبية، وراجعنا الهيئة لكنهم أكدوا لنا عدم خضوعنا للضرائب لأننا منظمة غير ربحية». لكنه تفاجأ بأن تكون هيئة منظمات المجتمع المدني التابعة لمجلس الوزراء «هي التي خاطبت (مصلحة) الضرائب لإصدار هذا القرار من دون معرفة الأسباب». واستغرب سامي، «تعليمات تلزمنا دفع غرامات تأخير منذ يوم التأسيس بقيمة نصف مليون دينار سنوياً، وربما يصل المبلغ إلى رقم تعجز المنظمات عن دفعه، ما يعني تفضيلها التصفية». وأعلن مصدر في دائرة المنظمات غير الحكومية ، أن «هذا الإجراء يهدف إلى السيطرة على عمل المنظمات من الناحية المالية»، مشيراً إلى وجود «ثلاثة أنواع من المنظمات، الأولى وهمية لا اسم لها ولا مقر أو موظفين، ويستغل شخص اسم المنظمة للحصول على مساعدات دولية والاستئثار بالأموال لمصلحته فقط». وكشف أن «بعض المنظمات سرق أموالاً كبيرة، بعدما سلّطت دول جهدها على مساعدة الشعب العراقي والحالات الإنسانية المعقدة بعد عام 2003». وأشار المصدر ذاته، الى أن الفئة الثانية هي «المنظمات المعروفة والمسجلة فعلاً، فيما نسمي الفئة الثالثة الخاملة وهي رسمية ومسجلة، لكن عدم حصولها على منح مالية محلية أو دولية اجبرها على البقاء من دون عمل». وأعلنت عضو اللجنة الاقتصادية البرلمانية نورة سالم البجاري، ان الإجراء «سابقة دولية خطيرة». ولفتت إلى أن «قوانين الدول عملت بعكس هذا الإجراء تشجيعاً لمنظماتها الإنسانية، وأعفت رجال الأعمال والشركات والمعامل من دفع الضريبة، في حال قدموا مساعدات للمنظمات الإنسانية والأعمال الخيرية ومراكز إيواء الأيتام، فكيف يقوم مجلس الوزراء بإصدار قرار يلزم فيه منظمات إنسانية بدفع الضريبة».