بدأت في 16 الشهر الماضي محاكمة محامي الدفاع عن عبدالله اوجلان، زعيم «حزب العمال الكردستاني» المعتقل في جزيرة امرالي منذ 1999. وادعت المحكمة على 46 محامياً، منهم 36 قيد الاعتقال، و3 من مساعديهم وصحافي، وهم يقفون على خشبة الاتهام. وفي غرفة صغيرة تتسع لمقاعد قليلة، يجري الاستماع إلى المتهمين. ولم ينجح صحافيون كثر في دخول القاعة، وعدد من محامي الدفاع اضطر إلى الجلوس أرضاً، أسفل كرسي القضاء. يا له من مآل حزين وتعيس للقضاء التركي! مآله صورة أمينة وبائسة لمكانة الحق في الدفاع عن النفس وبراءة المتهم إلى حين إثبات الاتهام في تركيا. بلغ النظام القضائي التركي مبلغاً من العبث لا يحتمل. فثمة محام اعتقل طوال 8 أشهر بسبب تشابه اسمه مع اسم رئيس البرلمان الكردي السابق في المنفى، ودين بتهم موجهة إلى صاحب الاسم الشبيه. والقاضي في هذه المحكمة الخاصة هو الذي أصدر مذكرة التوقيف في حق عدد من المحامين. والجمع بين الصلاحيات القضائية ينتهك الحق في محاكمة عادلة غير منحازة يضمنها البند 6 من شرعة حماية حقوق الإنسان التي تستند إليها محكمة حقوق الإنسان الأوروبية في إدانة أنقرة. ووفق وثيقة الاتهام، المؤلفة من 892 صفحة، يرقى اجتماع المحامين المكلفين الدفاع عن اوجلان بموكلهم دليلاً على تشكيل «عصابة إرهابية منظمة». والاتهام يستند إلى تسجيلات هاتفية ومراسلات إلكترونية. ووفق القوانين التركية، التحقيق في تحركات محامين أثناء ممارسة عملهم هو رهن إذن مسبق من وزير العدل. لكن التحقيق أخلّ بهذا الشرط ولم يستأذن القائمون عليه الوزير، ورفضت المحكمة من غير مسوّغ طعون الضحايا ومطالبتهم بالتزام القوانين. وتأخذ السلطات التركية على المحامين نقلهم رسائل اوجلان إلى وسائل الإعلام وكوادر «حزب العمال الكردستاني»، وتغفل أن مقابلات المحامين مع موكلهم كانت على مرأى مسؤول تركي ومسمعه، وهي مسجلة وموثقة. وإثر جلسات الاستماع، اطلق 9 محامين بشروط، وردت الطعون في افتقار المحكمة إلى الأهلية، ومخالفة بعض بنود القانون الجزائي التركي الدستور، ورفض طلب الإفراج عن المعتقلين من غير مسوّغ. وأرجئت الجلسات إلى 6 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. ولا يزال 27 محامياً قيد التوقيف الموقت. ويتوقع أن تصدر الأحكام القضائية بعد شهر، ويملك الدفاع أسبوعاً للطعن في الأحكام من غير الاطلاع على دواعي التوقيف والمحاكمة. ولا شك في أن تركيا خطت خطوات كبيرة نحو إرساء الحكم المدني، لكن سلطاتها مدعوة إلى احترام حق المتهم في الدفاع عن نفسه، والتزام معايير المحاكمات العادلة وغير المنحازة. * محامٍ، عن «ليبيراسيون» الفرنسية، 1/8/2012، اعداد منال نحاس