رغم كل ما رشح وطفا على السطح، فالمعلومات لا تزال ناقصة حول الجريمة الإرهابية التي وقعت في شبه جزيرة سيناء في الخامس من آب (أغسطس) الجاري ضد ضباط وجنود مصريين وأدت إلى استشهاد وإصابة العشرات منهم وهم يتناولون طعام الإفطار. لذا، لا بديل من تحليل يقربنا من الحقيقة، قياساً على ثلاثة أمور: الأول سوابق العمليات الإرهابية في هذا المكان، والثاني طبيعة التطورات الإقليمية المتسارعة، والثالث يتمثل في إمعان النظر في أدبيات وأفكار بعض التنظيمات الإرهابية التي ترفع شعارات إسلامية، أو لديها تأويل ديني مغلوط ومفرط يبرر العنف والعدوان. وفق هذا المدخل بوسعنا أن نذهب في اتجاهات أربعة، على النحو التالي: 1 - يمكن أن تكون إسرائيل هي التي تقف وراء ما جرى، لتعمِّق رؤيتها حول فقدان مصر السيطرة على سيناء، وبذا تمهد الديبلوماسية والرأي العام الدولي للانقضاض على هذه البقعة الجغرافية المهمة التي خرجت منها تباعاً عقب إبرام اتفاق سلام مع مصر، وإعادة احتلالها، أو إعادة طرح مشروع توطين الفلسطينيين فيها، والذي سبق أن اقترحه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ورفضته الدولة المصرية بشدة، كما رفضت إعادة قطاع غزة للإشراف الإداري المصري، أو مبادلة أرض في سيناء بأرض في صحراء النقب. 2 - أن يكون من ارتكب الجريمة تنظيمات إرهابية محلية تعشش في سيناء منذ عقد من الزمن تقريباً، وسبق لها أن دبرت تفجيرات في طابا وشرم الشيخ ودهب قبل الثورة بسنوات، مثل تنظيم «التوحيد والجهاد». ولا تزال هذه التنظيمات تحلم بقطع سيناء من الجسد المصري، بغية إقامة «إمارة» عليها تطبيقاً لفكرة «الوطن البديل» المسكونة به هذه التنظيمات، والتي سبق أن طبقتها في العراق واليمن وأفغانستان، وحاولت تطبيقها في الجزائر خلال سنوات المواجهة الدموية مع السلطة والمجتمع هناك، وكذلك في ليبيا عقب سقوط نظام القذافي. وتعود جذور هذه الفكرة إلى مسار «التكفير والهجرة» الذي تسعى من خلاله مثل هذه الجماعات والتنظيمات الى استعادة طزاجة التجربة الإسلامية الأولى، بطريقة مغلوطة وتأويل مشوه ومعوج، حين قام الرسول (صلى الله عليه وسلم) بترك مكة مجبراً وبنى نواة لمجتمع بديل في المدينة ثم عاد وفتح مكة. وتحفل أدبيات مختلف التنظيمات الجهادية والجماعات المتأسلمة بمثل هذه الأفكار، وسبق أن حاولت تطبيقها، وانتهت جميع محاولاتها بهزائم منكرة، لكنهم لم يتعلموا الدرس. 3 - أن تكون تنظيمات إرهابية ذات طابع دولي، مثل القاعدة، قد وجدت في سيناء ملاذاً آمناً نظراً لطبيعتها الجغرافية الوعرة، كي تستعملها في ضرب إسرائيل وتهديد الممر الملاحي الدولي في قناة السويس للنيل من المصالح الغربية بالأساس. وفي الحقيقة، فإن انهيار نظام القذافي، المتوحش أمنياً والمعادي بقسوة للجماعات الدينية المسيَّسة، ربما فتح مصر أمام موجات زحف عناصر القاعدة النشطين في الصحراء الأفريقية الممتدة حتى السنغال، وكذلك ما يسمى ب «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، كما أن عناصر التنظيم المتواجدين في قطاع غزة وشبه الجزيرة العربية، لاسيما في اليمن، بوسعهم أن يصلوا سيناء براً أو بحراً، من أجل تحقيق الهدف المشار إليه سلفاً. 4 - أن يكون من ارتكب الحادث هو أجهزة استخبارات دولية تريد أن تفتح جبهة من الجنوب الغربي ضد إسرائيل في ظل تداعيات الصراعات الإقليمية على الأراضي السورية، والتي من الممكن أن تفجر حرباً إقليمية ستكون تل أبيب طرفاً فيها، لاسيما في ظل انتظارها انهيار نظام بشار الأسد، تماماً للانقضاض على حزب الله أو شن حرب شاملة ضد إيران. في كل الأحوال، تحتاج مصر إلى بذل جهد بالغ، سلطة وشعباً، كي تقضي على «الانفصال الشعوري» الذي أصيب به أهل سيناء جراء المعاملات القاسية لهم في عهد حسني مبارك، حين أطلق يد الأجهزة الأمنية لتعيث فساداً هناك، وهذا لن يتم إلا وفق خطة متكاملة في مجالات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وقانونية، تستعيدها تماماً إلى الجسد المصري. * كاتب مصري