الإحساس المضاعف بالغربة، والمعاناة في التكيف مع الموجود، واصطناع ما هو مفقود للشعور بشهر رمضان ولو على بعد آلاف الأميال عن الوطن، هي البديل المرير لصوت الآذان وصلاة التراويح، والروحانية التي يشيعها الشهر الكريم في اجتماع الأقارب والأحباب، التي يفتقد أجواءها الطلاب المبتعثون خارج المملكة، والسؤال المطروح هنا.. كيف يقضون أيامه في ظل مشاق الدراسة والاهتمام بمهن المنزل وغيرها. وقال المبتعث صالح الغامدي: «كنت في أستراليا، لا أشعر بالإحساس الشديد بالغربة وصعوبة الصوم، مثل ما أشعر به حالياً في الصين وتحديداً في مدينة بيجين، إذ لا يوجد هنا نادٍ للطلبة، ومعظم الطلاب يقضون رمضان في المملكة، لمصادفة رمضان للإجازة الرسمية لنا، وبالنسبة إلى طلاب اللغة، لا يجدون صعوبة كبيرة في أخذ الإجازة»، مشيراً إلى أن النظام المفاجئ للطلبة السعوديين هو أن الحكومة الصينية ترفض التجمعات غير المرخص لها، ولا يسمح للصلاة في الأماكن العامة لأكثر من شخص واحد، لذلك غالباً ما يكون التجمع لصلاة الجمعة في مسجد السفارة السودانية. وأضاف أن نسبة المسلمين في مدينة «بيجين» قليلة جداً، لذلك غالبيتهم يواجهون صعوبة مع السكان، إذ إنهم لا يفهمون ولا يعرفون شيئاً عن الصيام، وأن المساجد الصينية الكبيرة تنظم إفطاراً جماعياً لكن يغيب عنها الطالب السعودي تماماً، بسبب اختلاف الثقافة، إضافة إلى نوعية الطعام ولا يستطيع تقبلها بسهولة، وقال: «كنت حاضراً في العيد الماضي في السفارة السعودية، إذ يجتمع موظفو السفارة والملحقية السعودية، إضافة إلى الطلاب الموجودين في بيجين، وتتكفل السفارة بتحضير وليمة وبعض المشروبات، ثم نقوم بالمعايدة على بعض في جو جميل جداً». ولفت إلى أنه في مدينة سدني الأستراليه، كانت هناك خطوات جميلة من الملحقية السعودية في السفارة، ففي رمضان تخصص الملحقية مبلغاً لتزويد الطلبة بوجبات الإفطار، عبر الاتفاق مع مطعم يحضر الإفطار يومياً في أحد المساجد أو في نادي الطلبة، مشيراً إلى أنه في الجامعات الأسترالية يسمح للطلبة بالذهاب إلى الإفطار إذا صادف ذلك وقت المحاضرة، ويتم تخصيص غرفة صغيره خاصة بالطلاب للإفطار وللصلاة، وفي غالب المعاهد تم توفير مصلى للطلاب. وذكر الحارث السحيباني طالب ماجستير في كلية القانون في إحدى الجامعات البريطانية ل«الحياة»، أن تجربة العيش خارج بيئة الإنسان المألوفة أمر ليس بالهين ولا باليسير على كل أحد، فكيف بشهر له رونقه وروحانيته الخاصة التي يستمدها من حشود المؤمنين، وقال: «في المنطقة التي أسكنها بشكل عام لا أحد يعبأ بك، وخصوصاً في الأماكن العامة، أما في الدائرة الضيقة في الجامعة والمكتبة فأرى نظرة تقدير واحترام عميقتين»، وأضاف: «ما رأيته من أساتذتي هو بالغ الحرص على ألا نتأثر ولا يرتبك تحصيلنا الدراسي خلال رمضان، فتقل المتطلبات الدراسية أحياناً وترحّل أحياناً أخرى لعطلة نهاية الأسبوع، أما الاختبارات فأذكر أول تجربة اختبار في رمضان كانت تقدم الاختبارات لجميع الطلبة لأول الدوام مراعاة للصائمين». وأضاف أن التجمعات الإسلامية تكثر في بريطانيا، ولا تقتصر أنشطتها وتفاعلاتها على رمضان فقط بل كل العام، إلا أنها تكتسب ميزة إضافية في رمضان، إذ تأتي العائلة المسلمة كل يوم للإفطار والصلاة، لافتاً إلى أن المراكز الإسلامية تشهد تفاعلاً من عوائل المبتعثين بشكل واضح، في حين يكتفي كثير من الشباب العزاب بالالتقاء بمفردهم للإفطار والصلاة في مساكنهم أو في الأماكن العامة.