فيما ترتفع أصوات أعضاء اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور في مهاجمة عبارة «السيادة للشعب» على اعتبارها حرام، يبدو الالتفات إلى وضع الطفل المصري في دستور «تيارات الإسلام السياسي» أشبه بالخيال. يجري العمل بجدية في أروقة المجلس القومي للطفولة والأمومة، لوضع تصوّر لواقع الطفل المصري في الدستور الجديد، على اعتبار أن أوضاع الطفولة والأمومة والعناية المقدمة لهما، يحدّدان الأمل بمستقبل الدول. خبرة المجلس، «المهمّش حالياً والمغضوب عليه من قبل القوى السياسية الحاكمة»، لسنوات طويلة «لم تشفع له ليكون حاضراً في لجنة اقتراح نصوص دستورية تُعنى بالطفل والأم في الدستور الجديد». ويقول الأمين العام للمجلس نصر السيد إن «مستقبل الشعوب يبدأ من الطفولة، وهو ما يوجب وجود إطار دستوري ملزم برعاية قضايا الطفولة والأمومة»، ويحدّد أبرز تلك القضايا بالأسرة، الحق في التعليم، الصحة، الحماية، المشاركة، المعاملة القضائية العادلة وحقوق ذوي الإعاقة. ويؤكّد أهمية دور المجلس القومي للطفولة والأمومة على اعتباره الجهة المسؤولة عن حماية الطفولة والأمومة في مصر. ويبدو هذا التأكيد بمثابة رد على دعوات تُطالب بإلغاء المجلس أو «تطهيره» عبر إلغاء القوانين والمواثيق كافة التي ضلع فيها، والتي عملت على ضمان حقوق الطفل في شكل تعتبره هذه التيارات الدينية «مُفسدة» للطفل و «مشتّتة» للأسرة. قوانين مقترحة ويقترح المجلس خمس مواد دستورية في شأن الأمومة والطفولة، بغرض تقديمها إلى اللجنة المعنية بكتابة الدستور. تتعلق المادة الأولى بالأسرة وقوامها الأديان السماوية والأخلاق، على أن يكفل المجتمع والدولة تدعيم الأسرة وحماية الأمومة والطفولة والعمل على اتخاذ التدابير لمنع العنف الأسري وانتهاك النساء وفقاً للقانون. وتنص المادة الثانية على أن لكل طفل ولد من أب مصري أو من أم مصرية الحق في اسم وجنسية منذ المولد، ورعاية أسرية، وترعاه الدولة عند حرمانه من البيئة الأسرية. وله الحق أيضاً في الحماية من سوء المعاملة والانتهاك، ويُحظّر عمالة الأطفال، والإهمال الأدبي والجسماني والروحي، وتكفل الدولة حقوق الأطفال من ذوي الإعاقة. ولا يجوز احتجاز الأطفال إلاّ بعد استنفاد التدابير الأخرى، على أن يكون ذلك لفترة قصيرة، وفي مكان منفصل عن غير الأطفال. وتتعلق المادة الثالثة بالتعليم كحق لجميع المصريين، وتنص المادة الرابعة على أن الوالدين يلتزمان بتربية الأبناء في الصغر، ويلتزم الأبناء برعاية والديهم في الكبر. أمّا المادة الخامسة فتنصّ على ضرورة إنشاء مجلس أعلى يقوم على شؤون الطفولة والأمومة على أن يحدّد القانون تشكيله واختصاصاته وعلاقته بسلطات الدولة. ولما كان وضع الطفل في الدستور الجديد هو الركيزة التي سيتم على أساسها تحديد ماهية القوانين التي يمكن أن تصدر، فإن الانشغال الشعبي الحادث بنصوص «السيادة» و «مبادئ الشريعة» وغيرهما تُغيِّب الجميع وتلهيه عن الالتفات للقضايا الرئيسية بعيداً من المتاجرة والمماطلة باسم الدين. وعلى رغم المخاوف التي تساور غالبية المهتمين بدمج جيد لحقوق الطفل في الدستور الجديد، من سيطرة جماعة «الإخوان المسلمين» والأحزاب السلفية على صياغة الدستور، إلاّ أن الجهود التي بُذلت من أجل تقديم المواد الخمسة المقترحة والمصحوبة بورقة بحثية عن «قضايا الطفولة والأمومة في مشروع دستور مصر المقبل»، مدروسة لدرجة يصعب تجاهلها. وتضمّنت الورقة نماذج عن الوضع الدستوري للطفولة والأمومة في عدد من الدول كالبرازيل وجنوب أفريقيا والهند وجورجيا، بالإضافة لعدد من دساتير الدول الإسلامية مثل إندونيسيا وماليزيا وتركيا والجزائر. ... وقوانين «دخيلة» وفي حين يتعجب البعض من وجود مشكلة أصلاً، في بلد ذي تاريخ كبير في شأن نصوص تؤمن حقوق الأطفال، فإن ما يرد من الجهة المقابلة يثير القلق والمخاوف. فقد أفرد الموقع الرسمي لجماعة «الإخوان المسلمين» مساحة لمقال كتبته المهندسة كاميليا حلمي، التي طُرح اسمها لترأس مجلساً قومياً للمرأة يكون بديلاً من المجلسين الحاليين، وصفت فيه المجلسين القوميين للطفولة والأمومة والمرأة بأنهما «تأسسا وترأستهما زوجة الرئيس المخلوع، ليكونا ذراعين للأمم المتحدة لتطبيق الاتفاقات الدولية للمرأة والطفل وعلى رأسها اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) واتفاقية حقوق الطفل والتي وقع عليهما النظام البائد وورّط مصر والمصريين فيهما». وترى حليم أن خطورة المواثيق التي وقّعت عليها مصر في أنها «تتصادم مع القيم والأخلاق الأصيلة للشعب المصري، كالمطالبة بتوفير خدمات الصحة الإنجابية للأفراد من جميع الأعمار، وتشتمل على تدريب الأطفال والمراهقين على استخدام وسائل منع الحمل، وتوفير تلك الوسائل لهم». وترى حلمي في مشروع «قانون الطفل المصري» (الذي صدر في عهد النظام السابق)، «ثورة عارمة أدّت إلى رفع سن الزواج، وتمكين الأم الزانية من تسجيل طفلها في حال عدم وجود عقد زواج، وتكبيل سلطة الآباء التربوية عن طريق ما يُعرف بالخط الساخن، وكانت النتيجة ارتفاعاً كبيراً في نسبة الأطفال المجهولي النسب، وارتفاع نسبة التزويج غير الموثق للفتيات دون الثامنة عشرة خاصة في الأقاليم». الوضع الراهن يؤكد أنه لو لم يضمن أطفال مصر لأنفسهم مكانة وحقوقاً واضحة، فإنهم سيجدون أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه، شأنهم شأن بقية المصريين من أصحاب الحقوق الضائعة أو الممّوهة تحت عباءة الدين في الدستور الجديد.