لا شكّ في أنّ معظم الأشخاص في العالم سمعوا قصة ميت رومني الذي رفض الكشف عن عائداته الضريبية. لكن، من المرجّح أن يكون عدد قليل منهم قد فهم أحد الأسباب الرئيسية التي تقف خلف المشاكل الكبيرة التي ولّدها هذا الأمر. يعدّ رومني أول رجل أعمال يترشح على الرئاسة بناءً على سجّل حافل بالأعمال وبناءً على حجة مفادها أنّ هذا وحده يؤهلّه لخلق فرص عمل ولمساعدة أميركا على التخلّص من الصعوبات الاقتصادية الحالية. وصحيح أنّ بعض المرشحين السابقين كانوا يملكون خلفية معيّنة في عالم الأعمال مثل جورج بوش الابن مثلاً. إلا أنهم ترشحوا بناءً على خبرتهم في الحكومة وفي السياسة كما هو حال بوش الذي كان حاكم تكساس. ولم ينجح الأشخاص الذين تعاطوا الأعمال في جني الأموال منها مثلما فعل رومني. فكان بوش يحظى مثلاً بمجموعة تضمّ رجال أعمال فعليين لمساعدته على شراء فريق «بايسبول» ومن ثمّ بيعه وجني أرباح من ذلك. بالتالي، يجد رومني نفسه في وضع غير مألوف بالنسبة إليه. وتتأتى معظم مشاكله الحالية من واقع أنه لم يفكّر هو ومستشاروه ملياً في المسألة لا سيّما أنهم لا يملكون خبرة مسبقة كبيرة في مسائل متعلقة بعائدات الضرائب وبالاستثمارات والأرباح الخارجية ناهيك عن كيفية الدفاع عن ممارسات مماثلة في وجه الهجوم الذي يشنه خصومه المحنكين. وما يزيد الأمور صعوبة هو أنه يترشح على الرئاسة عقب فترة انكماش كبيرة حيث تبدو الهوة كبيرة نسبياً بين الحياة التي تعيشها نسبة ضئيلة من رجال الأعمال الفاحشي الثراء وبين حياة سائر فئات الشعب. وتسبّب ذلك ببروز فترة لتحديد الضرر حيث يبدو رومني مرغماً بسبب موقعه الدفاعي حول سجله في ميدان الأعمال، على بذل كلّ ما في وسعه لمواجهة هجمات سياسة باراك أوباما الاقتصادية على أمل أن تتراجع الانتقادات المرتبطة بإخفاقه في الكشف عن عائداته الضريبية. في هذا الوقت، يبدو خاضعاً لمجموعة من النصائح المربكة من المفكرين والسياسيين الكبار من الحزب الجمهوري الذين يشملون الأشخاص الذين يرون أنه يجدر به الكشف عن أصوله المالية الخاصة والأشخاص الذين يعتبرون أنه ينبغي عليه الافتخار بالسجل الذي حقّقه كرجل أعمال عمل مثل رجال الأعمال الناجحين الآخرين على زيادة ثروته بكلّ الوسائل التي يتيحها القانون مثل ترتيبات خفض الضرائب والحسابات في البنوك السويسرية ونقل مؤسسته «بين كابيتال» الوظائف إلى الخارج. ويمكن استخلاص عبر كثيرة من هذه القصة المؤسفة. فهي لا تفسر بعض الصعوبات التي يواجهها رومني فحسب بل تعرض مقاربته الكاملة للسياسة حيث يبدو أنه لم يلاحظ، أقله لغاية الآن، وجود تناقض بين الكفايات المطلوبة لجني المال والكفايات الضرورية لإقناع الناخبين بأنه الرجل الصحيح المخوّل إدارة أمور البلد. وثمة قدر كبير من السذاجة في هذا الإطار وعجز عن إدراك أنّ ما يبدو صائباً بالنسبة إليه قد لا يكون صائباً بالنسبة إلى كافة الأميركيين. وفي حال تعلّم التحدث كرجل سياسي، فمن الواضح أنه لا يزال يفكّر كرجل أعمال. ومن الواضح أيضاً أنّ ثمة قصر نظر في خطوته المخطّط لها للانتقال من عالم الأعمال إلى السياسة والتي برزت بداية في قراره الترشح لحكم أحد أكثر الولايات التي تحتاج إلى خدمات اجتماعية في أميركا هي ولاية ماساتشوستس حيث تمّ في السابق استخدام المال العام لتلبية حاجات المواطنين الفقراء فيها، الأمر الذي لا يحبّذه عدد كبير من الجمهوريين المحافظين. ولا بدّ أن رومني قد أقرّ بناءً على الأحداث التي سبق وحصلت في الماضي أنه حين قرّر منذ بضع سنوات الترشح على الرئاسة، كان يجدر به استخدام الوقت الفاصل عن المعركة حتى يفكر في طريقة للإفصاح عن كيفية جنيه للأموال، الأمر الذي يجب أن يفكر فيه كافة المرشحين مهما بلغت ثروتهم علماً أن عدداً قليلاً منهم وجد صعوبة في التعاطي مع هذا الموضوع كما هو الحال بالنسبة إلى رومني. فضلاً عن ذلك، لا بدّ أنّ الإطلاع على التاريخ الأميركي كان سيساعده. فبينما تعتبر أميركا بلداً رأسمالياً بامتياز ويتمّ تعليم معظم مواطنيها الاعتقاد بإمكانية أن يحققوا حلمهم في أن يصبحوا أثرياء من خلال العمل بكدّ لجني الأرباح، نادراً ما تمّ ذلك من دون مساعدة الدولة، الأمر الذي يشكّل اليوم جزءاً كبيراً من رسالة الرئيس أوباما المتعلقة بالنجاح التاريخي لمجموعة من الأنشطة الاقتصادية، بحيث شارك معظم الأميركيين الذين يعملون في كافة أشكال البنى الاقتصادية وليس الرأسماليين فحسب مثل ميت رومني في إحدى مؤسسات القطاع الخاص. وقد يكون رومني واقعياً في بعض مراحل حياته، إلا أنّه تمّ إبراز مفهوم رومني الحالي لكيفية جمع الثروة في شكل جزئي ومن جانب واحد. وكي أكون واقعياً، تشير استطلاعات الرأي الأميركية إلى أنّ رومني لم يخسر كلّ شيء بعد. قد يكون محقاً في أنّ الكشف عن عائداته الضريبية سيسبب له ضرراً أكبر من المنفعة. ولا بدّ أن عدداً كافياً من الأميركيين يعتبرون أنه يعرف من موقعه كرجل أعمال كيفية خلق فرص العمل التي هم بحاجة إليها حتى لو كان سجله الخاص في هذه المسألة ملطّخاً بعض الشيء. إلا أنّ النضال سيكون شاقاً أكثر مما توقعه هو ومعظم مستشاريه. ويبدو أنه سيتعثّر وسيسمح لنفسه بأن يكون في موقع دفاعي لإراحة نفسه ومؤيديه. لا شكّ في أنّ المنافسة ستكون مثيرة للاهتمام وتاريخية وستشكّل اختباراً مهماً جداً ليس لجهة ما إذا كان رجل الأعمال قادراً على الفوز بالانتخابات الرئاسية فحسب، بل ما إذا كان هذا الرجل يمتلك المؤهلات اللازمة لإدارة أكبر اقتصاد في العالم وأكثره إنتاجية. * أكاديمي بريطاني - جامعة هارفارد