ربما يقدم صنّاع المسلسل السوري «بقعة ضوء – 9» في نسخته الرمضانية تصوراً جديداً لواقع المسلسل من حيث لا يدرون أو لا يرغبون، طالما أن الحكايات ذاتها تتردد كل عام، وكأنها مونولوج لن يتوقف، حتى بعد التغيرات الدراماتيكية العاصفة التي تحصل اليوم على مرأى من الجميع. ففي إحدى لوحات المسلسل المعنونة «أرواح عارية» نقف على حكاية زوجين شابين ضجرين من حكاية الخبر العاجل الذي اشتهرت به الفضائيات العربية وغير العربية في فورة البث الفضائي، وتزاحم الأحداث من حولها على الأرض. وسيقوم الزوج الحريص على صحة الجنين بمحاولات عقيمة لمنع زوجته من مشاهدة شريط الخبر العاجل، خوفاً من توتر الأعصاب على حملها الأول، فيما هي تنشغل بمتابعة مسلسل مدبلج. ولن تقف الأمور عند هذا الحد، اذ ستحاصره الأخبار العاجلة عبر هاتفه الخليوي، وهاتفه الأرضي، حتى من سيطرق عليه الباب سيأتيه أيضاً بخبر عاجل من نوع مختلف. لن يصعب على المرأة الشابة أن تقنع زوجها بمشاهدة المسلسل العمومي الأثير والمحبب إليها، لكن هذا الأخير سيغطي القسم السفلي من الشاشة حتى يخفي ظهور الاعلان عن الخبر العاجل، ما يعني أنه أخفى ثلثها تقريباً، وحين يظهر الاعلان في أعلى الشاشة يغطي الثلث الثاني منها، ويمكن الاستنتاج هنا تلقائياً أن الثلث الباقي لن ينجو من اللصاقة السوداء، وفي النهاية يرمي جهاز التلفزيون خارجاً. هكذا تغيب الأخبار العاجلة ويغيب معها المسلسل المدبلج، ويفتح هذا المجال على غياب اختياري ينشأ بفعل ادمان المشاهدة التلفزيونية يمكن علماء الاجتماع أن يقولوا هنا شيئاً في خصوصه، اذ إنه لم يعد ذلك الغياب القسري، فنحن جميعاً نمضي إليه طائعين وفرحين وبشجاعة وإقدام في أحيان كثيرة. «بقعة ضوء» لم يتبدل حتى مع تعاقب مخرجين سوريين كثر عليه. ولم يكمن الحل في اجتراح معجزة لوحة خاصة في نهاية كل حلقة بعنوان «غداً نرتقي» تدور بين ممثلين (عابد فهد ومحمد حداقي)، وتمس قضايا ذات طابع حياتي ووجودي مبسط، لأن المشكلة غدت أكبر في طريقة التفكير التي تستمر على المنوال ذاته على رغم التحولات الجذرية التي تعصف بالانسان السوري اليوم. فإذا شعرت المرأة بالمخاض، على الرجل أن ينقلها إلى أقرب مستشفى، ولن يبدو مدهشاً سقوط أجهزة التلفزيون القديمة عليهما من فوق، وهما يذهبان في طريقهما، فقد أخطأ المخرج هنا خطأ ربما جاء على فكرته، لأن ما هو مطلوب في هذه اللحظة الواقعية الحرجة ربما كان يتطلب «تدمير» العدد الأكبر من الأجهزة الحديثة المسطحة، الذكية وغير الذكية، فثمة مسلسلات حديثة ومعاصرة جداً ساهمت في إفساد الذائقة العمومية، ويمكن معها تطبيق «وصفة اللصاقة السوداء» إلى حدود قصوى، ومنها مسلسلات تعرض في هذا الموسم.