غدت الدراما التلفزيونية التي يحفل بها الموسم الرمضاني عبئاً على المشاهدين. فإذا تجاوزنا الملاحظات المتعلقة بالنواحي الفنية والتقنية والجمالية، وركزنا على عادات المشاهدة سنجد أن قلائل منهم يستطيعون ممارسة هذا الترف الدرامي الرمضاني، والجلوس إلى الشاشة في أوقات محددة وخلال أكثر من ثلاثين يوماً أو أكثر بقليل، لمتابعة مسلسلاتهم المفضلة. ذلك أن تعبير «المسلسل» يتطلب متابعة الحكاية المتسلسلة منذ الحلقة الأولى وحتى الأخيرة، حتى يستوعب خفايا الحكاية المتلفزة على النحو المطلوب، والسؤال: هل يستطيع المشاهد الذي يعاني ضغوطات كثيرة، ويعيش في ظل واقع استهلاكي مضطرب تكثر فيه الإغراءات التكنولوجية الرقمية، فضلاً عن التزامه بأداء عمله، أن يتقيد بمواعيد مسلسلاته المفضلة؟ الإجابة هنا، هي بالنفي من دون شك، ومن هنا لوحظ على الأقل بالنسبة في سورية الإقبال الواسع على المسلسلات المتصلة المنفصلة، أي تلك التي تعتمد الشخصيات ذاتها لكن الحكاية تختلف، إذ تنتهي عند نهاية كل حلقة، لتبدأ قصة أخرى مع بداية الحلقة اللاحقة. وهكذا احتلت مسلسلات مثل «ضيعة ضايعة»، و «بقعة ضوء»، و «أبو جانتي»، وهي تنتمي إلى النوع المشار إليه، مكانة متقدمة في نسب المتابعة، وذلك استنادا إلى الاستفتاءات الالكترونية، أو على ضوء الأحاديث التي تدور نهارا في مكاتب العمل والأماكن العامة، إذ يطغى «حديث الدراما» على سواه. إن «الاختزال الفني» إذا جاز التعبير الذي يضع مشاغل الحياة الكثيرة بعين الاعتبار لم يقتصر على التلفزيون، فالرواية، مثلاً، تنحو هذا المنحى، وكذلك الأغنية التي كانت تستغرق نحو ساعة في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، لا تتجاوز مدتها الآن خمس دقائق. وهذه ليست قاعدة مكرسة في عالم الفنون، غير أن التلفزيون بوصفه وسيلة جماهيرية رائجة وجد بدائل في سبيل كسب المشاهد، عبر اللجوء إلى عرض حكايات منفصلة لا ترغم المتابع على التفرغ يوميا لأجل مسلسله المفضل، فميزة هذا النوع الدرامي تكمن في منحه متابعيه «حرية المشاهدة» طالما أن الحلقات ليست مترابطة. ليس من المنتظر أن يغدو هذا النوع الدرامي بديلاً عن المسلسل بمعناه التقليدي، فثمة سيناريوات، خصوصاً التي تتناول سيرة شخصيات معروفة، أو تخوض في صفحات التاريخ، تستحيل معالجتها درامياً بشكل مجزأ، غير أن المسلسلات المتصلة المنفصلة ستحظى على الدوام برضا «المشاهد المنهمك بالمشاغل». وليس عبثاً أن مسلسلات مثل «طاش ما طاش»، و «مرايا» قد نالت صيتاً واسعاً، فجزء من رواجها نابع مما نشير إليه، على عكس مسلسلات راحت تفقد جمهورها بعد كل جزء جديد مثل «باب الحارة»...مع التشديد على أن ليس ثمة قاعدة ثابتة في المسلسل التلفزيوني، فهناك كثير من الاعتبارات والعوامل الأخرى التي تساهم في تغييب عمل تلفزيوني أو رواجه، لعل من بينها ما أشرنا إليه.